قضايا ودراسات

قانون أمريكي يظلم الفلسطينيين

جيمس زغبي*

تصور أنك ضحية جريمة عنيفة أو سرقة ولكن يحظر عليك الإبلاغ عنها، لأن الكونجرس الأمريكي سن قانوناً لا يمنعك من الإبلاغ عن الجريمة فحسب، بل يهدد أيضاً بمعاقبتك إذا تجرأت وفعلت ذلك.
هذا هو الوضع الذي يجد الفلسطينيون أنفسهم فيه اليوم. فقد أبلغت الحكومة الأمريكية مؤخراً الفلسطينيين بأنها على وشك أن تسحب اعترافها بحقهم في فتح مكتب في واشنطن لأنهم تجاسروا واشتكوا أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن سرقات «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية والنشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة.
بدأت قصة كابوس هذا الوضع في 1987 عندما أقر الكونجرس قانوناً يحظر على منظمة التحرير الفلسطينية فتح مكتب في الولايات المتحدة. وكانت الغاية من هذا التشريع، الذي تم إقراره بدفع من اللوبي «الإسرائيلي» الرئيسي في أمريكا – «لجنة الشؤون العامة الأمريكية «الإسرائيلية» (آيباك) – هي ضمان ألا يكون للفلسطينيين حضور أو صوت في واشنطن أو في الأمم المتحدة. وكان ذلك القانون تطبيقاً لتعهد سري قدمه وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينجر إلى «الإسرائيليين» قبل ذلك بعقد من الزمن، ويؤكد أن الولايات المتحدة لن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو تجري حواراً معها. وقد أصر «الإسرائيليون» آنذاك على أن تمتنع الولايات المتحدة عن إجراء أي حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بسبب ما قاله زعيم حزب العمل «الإسرائيلي» في حينه إسحق رابين: «كل من يوافق على التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية إنما هو يقبل مبدأ إقامة دولة فلسطينية بين الأردن و«إسرائيل»، وهذا أمر لن نقبله أبدا».
وبعد أن وقعت «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو في 1993، عقد الكونجرس الأمريكي جلسة لإعادة تقييم قانون 1987. وبدلاً من أن يتخذ الكونجرس الإجراء الصحيح ويلغي القانون، فقد اختار، تحت ضغط «آيباك» مرة أخرى، الإبقاء على القانون مع إدخال تعديلات. والتنازل الوحيد الذي قدمه الكونجرس في القانون المعدل هو منح الرئيس الأمريكي سلطة تعليق البند المعادي للفلسطينيين بشرط أن تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية للكونجرس أن الفلسطينيين ملتزمون ببنود اتفاق أوسلو.
والقانون المعدل فرض على الفلسطينيين سلسلة شروط، من بينها نبذ المقاطعة العربية، وإلغاء ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم فتح مكاتب في القدس، ونبذ الإرهاب، وعدم اتخاذ أي إجراءات لتغيير وضع القدس أو الضفة الغربية أو غزة، بانتظار نتائج المفاوضات مع «إسرائيل».
وفرض هذه الشروط على الفلسطينيين، ولكن من دون فرض شرط على «إسرائيل» لاحترام اتفاق أوسلو، كان يعني منذ بداية ما يسمى «عملية أوسلو» أن الولايات المتحدة لن تلعب دور «الوسيط النزيه» سعياً لتحقيق السلام.
وعلى مدى العقدين التاليين، عدل الكونجرس بنود القانون بحيث أصبح يشمل وقف المساعدات الأمريكية إلى الفلسطينيين ومنعهم من حق ممارسة نشاط في الولايات المتحدة إذا انضموا إلى أي هيئة دولية بصفتهم «دولة عضواً»، أو إذا حصلوا على اعتراف وعضوية كاملين من الأمم المتحدة، أو إذا رفعوا قضية انتهاكات «إسرائيل» للقانون الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية.
خلال الخمسين سنة من احتلالها، بنت «إسرائيل» مستوطنات لأكثر من 650 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية وحول القدس، ما شكل تغييراً متعمداً للتركيبة السكانية في الأراضي المحتلة. كما أنها بنت جداراً داخل الضفة الغربية عزل فلسطينيين عن أراضيهم. ومن أجل تسهيل هذا المشروع الاستيطاني، صادرت «إسرائيل» ممتلكات فلسطينيين في الأراضي المحتلة – في انتهاك للقانون الدولي. وحيث إن الولايات المتحدة لم تظهر أبداً رغبة حقيقية، رغم احتجاجات فارغة بين حين وآخر، لوقف هذه السرقة غير المشروعة، فإن الإجراء الوحيد الذي تبقى للفلسطينيين هو رفع القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن لجوؤهم إلى هذا التحدي القانوني غير العنيف ضد «إسرائيل» هو الذي تسبب بالأزمة الحالية، التي يمكن أن تؤدي إلى إغلاق المكتب الفلسطيني في واشنطن، وتجعل أي نشاط فلسطيني في الولايات المتحدة عملاً غير مشروع بموجب القانون الأمريكي.

*مؤسس ورئيس المعهد الأمريكي العربي في واشنطن (مركز دراسات سياسية)
موقع «لوب لوج» (lobelog.com)


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى