قضايا ودراسات

قرار القدس شؤم على السلام

جيمس زغبي*

قرار الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة
لـ «إسرائيل» هو قرار غير مسؤول وخطر لأسباب أكثر من أن أستطيع عدها. دعوني أعرض بضعة فقط من دواعي القلق الرئيسية.
رغم أننا سئمنا جميعاً كثرة تردد عبارة «هذه نهاية عملية السلام»، إلا أن قرار ترامب يمكن أن يكون بالفعل المسمار في نعش أي حل تفاوضي للنزاع الفلسطيني – «الإسرائيلي». وعلى كل حال، لم يعد هناك أصلاً أي عملية سلام، حيث حل محلها انتظار يحبس الأنفاس من قبل كل من الفلسطينيين و «الإسرائيليين» لإعلان إدارة ترامب عن بلورة «صفقة القرن». وكان يفترض أنه عندما يعلن عن هذه «الصفقة»، فإن مفاوضات ستبدأ على الفور.
إن الاعتراف الأمريكي من طرف واحد بالقدس كعاصمة ل «إسرائيل» لا يبت مسبقاً في واحدة من أكثر مسائل النزاع حساسية فحسب، بل هو يأتي أيضاً لصالح «إسرائيل». ومنذ بداية «عملية السلام»، كانت هناك عيوب أساسية أعاقت هذا المسعى: ميزان قوة يميل كلياً لصالح «إسرائيل»، وانحياز أمريكي واضح لدعم «إسرائيل». وقرار ترامب إنما يفاقم كلا هذين الخللين، وهو كافأ وشجع العناصر الأكثر تشدداً وتعنتاً في «إسرائيل»، بينما أضعف موقف أولئك القادة الفلسطينيين والعرب الذين وضعوا ثقتهم في الدور الأمريكي. وقرارا الاعتراف بالقدس كعاصمة ل «إسرائيل»، والبدء في عملية نقل السفارة الأمريكية يوضحان تماماً أن الولايات المتحدة ليست «وسيطاً نزيهاً». وفي هذا الإطار، لا معنى لدعوة الرئيس الأمريكي الطرفين إلى مواصلة التركيز على تحقيق السلام.
ولا بد من التذكير بأنه عندما تبنى الكونغرس الأمريكي قانون سفارة القدس في 1995، فإن الجمهوريين الذين صاغوه بتنسيق مع حزب الليكود «الإسرائيلي» اعتبروه حبة مسمومة ستنسف «عملية سلام أوسلو» الحديثة العهد آنذاك. وذلك القانون كان صفعة من قبل الجمهوريين والليكود بوجه إسحاق رابين وبيل كلينتون. والسبب الذي حمل الرؤساء الأمريكيين كلينتون وبوش وأوباما على استخدام سلطتهم لإرجاء تنفيذ ذلك القانون، كان بالضبط تجنب الحبة المسمومة هذه من أجل إنقاذ مصداقية جهود السلام الأمريكية. ولكن هذه الحبة ابتلعت الآن.
وما كان يدركه أولئك الذين كانوا وراء ذلك القانون، وكذلك القوى المعادية للسلام في «إسرائيل» والولايات المتحدة، هو أن مسألة القدس لا يمكن العبث بها. فهي ليست مجرد مدينة. إنها جوهرية في الأديان السماوية الثلاثة. ولهذا السبب أعطى مهندسو قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين وضعاً خاصاً للقدس وجعلوها منطقة خاضعة لإدارة دولية. ولهذا السبب لم يعترف المجتمع الدولي أبداً بإجراءات «إسرائيل» من طرف واحد بعدما احتلت القسم الغربي من المدينة في 1948 ثم أعلنت القدس عاصمة لها بعد حرب 1967 – وهو الإعلان الذي شكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، والذي أدانته الأمم المتحدة بالإجماع. وفي هذا الإطار، يشكل قرار ترامب مصادقة أمريكية على 70 سنة من انتهاكات «إسرائيل» للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.
وبالنسبة للعرب والمسلمين في كل أنحاء العالم، أصبحت القدس رمزاً صارخاً لقرن من غدر الغرب. ومثلما هي الحال بالنسبة لمسألة فلسطين، فإن مجرد ذكر القدس يستحضر الوعود التي تم الإخلال بها، والاحتلال الغاصب من قبل قوى استعمارية وإمبريالية، وتجاهل التاريخ، والتنكر لحقوق أساسية. والقدس هي الجرح المفتوح في قلب العرب والمسلمين. والرئيس ترامب رش الملح على الجرح بقراره القاسي بحل «إسرائيل» من جرائمها والاعتراف بسيطرتها على المدينة بالقوة العسكرية.
ولهذا كان أمراً عديم الحس ومثيراً للسخط أن يرفق رئيس الولايات المتحدة استفزازه بتوجيه نداء إلى الفلسطينيين لكي يبقوا هادئين ومسالمين. وما كان يقوله في الواقع هو: «لا أبالي بما عانيتموه، كما لا أبالي بمدى عسف وعدم شرعية أعمال «إسرائيل». اهدأوا وتقبلوا الأمر».
وأخيراً، هناك واقع الحياة اليومية للفلسطينيين داخل وحول القدس. فبعد أن عزلت «إسرائيل» القدس عن بقية الضفة الغربية، أخذت تشدد سياسة خنق العرب في القدس، من خلال حرمانهم من الوظائف، ونسف البيوت، وسرقة الأراضي، واتباع سياسات تمييز تنتهك حقوق الإنسان الأساسية.
وبينما يتذكر الأمريكيون كل سنة 7 ديسمبر/ كانون الأول، يوم الهجوم الياباني على بيرل هاربور، باعتباره «يوم عار»، فإن العرب والفلسطينيين يمكن أن يختبروا الشعور ذاته بشأن 6 ديسمبر/ كانون الأول – اليوم الذي وجه فيه الرئيس دونالد ترامب ضربة قاضية ومشؤومة للسلام والعدالة في الأرض المقدسة.

*أكاديمي أمريكي – عربي ومؤسس ومدير المعهد العربي الأمريكي – موقع «لوب لوغ»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى