قضايا ودراسات

قلادة نجيب محفوظ

أم الدنيا مصر هي بلد الموجات المتتالية من السياسة إلى الفن إلى الثقافة.. وقبل أيام انشغلت القاهرة، وأقصد «القاهرة المثقفين» بقلادة النيل التي منحها الرئيس السابق حسني مبارك للروائي نجيب محفوظ، وهي أعلى وسام رسمي في مصر، وقالت ابنة الروائي أم كلثوم نجيب محفوظ في حوار تلفزيوني، على ما جاء في تقرير في صحيفة الحياة بقلم هبة ياسين إن القلادة مزيفة وإن والدها عرف ذلك بعد يوم واحد من تسلمه إياها من حسني مبارك لكن صاحب نوبل آثر الصمت.

بحسب ما هو معروف أو منشور عن هذه القلادة، يفترض أنها مصنوعة من الذهب عيار 18، ووزنها 488 جراماً، لكن تبين أن قلادة محفوظ فضة مطلية بالذهب، وليست ذهباً خالصاً.
هذه قصة مقاهي المثقفين اليوم في القاهرة، ومن المؤكد أنها ستتسع حتى تصل إلى الصحافة، وبالطبع، هناك من سيؤيد رواية ابنة محفوظ، وهناك من سوف يرفضها من أساسها.. وثمة من سيكون في الوسط.. لا مع، ولا ضد، وسوف أكون من النوع الثالث.. نوع الوسط الذي من حقه أن يعلق على قلادة النيل الممنوحة لمحفوظ.. بالنقاط التالية:
أولاً: لماذا صبرت أم كلثوم كل هذه السنوات على زيف القلادة، ولم تكشف الأمر هي.. لأن صاحب «الحرافيش» آثر الصمت وهو يميل إلى الترفع والزهد.
ثانياً: إذا كان من المتعذر كشف زيف القلادة في أثناء حكم مبارك، أما كان يمكن كشف هذا الزيف في ذروة ثورة الربيع العربي في ميدان التحرير، وانتهاء حقبة الرئيس؟
ثالثاً: 29 عاماً على حصول نجيب محفوظ على القلادة.. أليست فترة كافية لنسيان الأمر برمته حفاظاً على القيمة المعنوية، لا المادية، التي ترمز لها القلادة، وحفاظاً بالطبع على المعنى الذي يمثله نجيب محفوظ في الوجدان المصري.. فمن الصعب على هذا الوجدان أن يتقبل فكرة أن هذا الروائي الكبير قد خُدِع..
إلى هنا أبدو وكأنني لستُ مع تصريحات أم كلثوم نجيب محفوظ، ولكن على المقلب الآخر وفي ثلاث نقاط أخرى يمكن القول:
أولاً: أنه ليس من المستبعد أن تكون القلادة مغشوشة في وقت استغلت فيه جماعات متنفذة في الحكم ليس القلادات التكريمية فقط التي تمنحها الدولة، بل استغلت أيضاً الاقتصاد، والمال والسلطة برمتها.
ثانياً: زيف قلادة، للأسف، يرمز إلى زيف مرحلة ثقافية أيضاً بشكل خاص، ففي الأوقات التي يكثر فيها الانتهازيون من المثقفين يعم الفساد الثقافي، ليس في مصر وحدها، بل، في العالم كله، ويا ليت الأمر يتوقف عند مجرد قلادة على رغم رمزيتها السيادية الكبيرة، فهناك مؤسسات ثقافية كبرى تنخرها سوسة الفساد عندما يكون ظاهرة عامة.
ثالثاً: كان نجيب محفوظ مستهدفاً دائماً من جماعات التطرف والإرهاب التي تجد لها بعض الجيوب الحاضنة في السلطة، ولذلك، فمن الممكن أن تكون القلادة مغشوشة حقاً للنيل من نجيب محفوظ آجلاً أم عاجلاً.. وها هو يتم النيل منه (آجلاً) بعد 29 عاماً على تسلمه قلادة مزيفة.
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى