غير مصنفة

قوة عظمى مخادعة

تيد جالن كاربنتر*

أساس الدبلوماسية الناجحة بالنسبة إلى كل دولة هو سمعة المصداقية والثقة لكن الولايات المتحدة تمثل النقيض تماماً.
دائماً ما تكون الحكومات محترسة عندما تعقد اتفاقيات مع شريك مفاوض ينتهك الالتزامات ولديه سجل من الازدواجية والخداع. وقد تجاهلت إدارات أمريكية في الماضي القريب هذا المبدأ، وكانت أعمالها تعطي في معظم الحالات عكس النتائج المرجوة.
وعواقب الخداع في الماضي تتضح تماماً اليوم في الجهود الرامية لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة النووية الكورية الشمالية. فقد حث الرئيس ترامب في الآونة الأخيرة نظام كيم أونج – جون على أن «يأتي إلى طاولة المفاوضات… ويفعل الشيء الصحيح» – أي أن يتخلى عن برنامج بلاده النووي والصاروخي. ويفترض أن مثل هذا التنازل من قبل كوريا الشمالية سيؤدي إلى رفع (أو على الأقل تخفيف) العقوبات الاقتصادية وتطبيع العلاقات بين بيونج يانج والمجتمع الدولي.
غير أن زعماء كوريا الشمالية لديهم أسباب عدة تجعلهم يحترسون من مثل هذه الإغراءات الأمريكية. إذ إن سعي ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران لا يشجع بيونج يانج إطلاقاً على توقيع اتفاق مماثل – خصوصاً أن الأمم المتحدة أكدت التزام إيران بالاتفاق.
ومن الواضح أيضا أن كوريا الشمالية تأخذ في الاعتبار واقعة أخرى تثير حتى شكوكاً أكبر بمصداقية الولايات المتحدة. إذ إن الزعيم الليبي معمر القذافي خضع للضغوط الغربية في المسألة النووية، وتخلى عن برنامجه النووي في 2003، وأكد التزامه بمعاهدة حظر الانتشار النووي. وفي المقابل، رفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها العقوبات الاقتصادية عن ليبيا. ولكن بعد سبع سنوات فقط، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأطلسيون، حملة عسكرية أدت إلى تغيير النظام في ليبيا. وأخذت كوريا الشمالية وقوى أخرى علماً بمصير معمر القذافي.
والواقعة الليبية لم تكن المرة الأولى التي يخدع فيها القادة الأمريكيون روسيا على نحو خاص. ففي أعقاب انهيار ألمانيا الشرقية عام 1990، تعهد كل من وزيري الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، والألماني الغربي هانس ديتريش غينشر، بأنه إذا وافقت روسيا على ألمانيا موحدة عضواً في حلف الأطلسي، فإن الحلف الغربي لن يتوسع أبداً إلى أبعد من الحدود الشرقية لألمانيا. ولكن اليوم، تمددت قوات حلف الأطلسي عبر أوروبا الشرقية وأصبحت على أبواب روسيا.
وكانت هناك واقعة أخرى، هي تدخل حلف الأطلسي ضد صربيا وفصل إقليم كوسوفو ليصبح دولة مستقلة. وقد احتج القادة الروس بحدة وحذروا الغرب من أن عمليته تلك كانت من دون تفويض دولي.
إنه لأمر جارح أن يقر أي أمريكي بأن الولايات المتحدة اكتسبت سمعة مستحقة بكونها مخادعة في سياستها الخارجية. والأدلة على ذلك كثيرة. وفي الواقع، سلوك الولايات المتحدة المخادع في ما يتعلق بالوضع السياسي لكوسوفو وتوسع حلف الأطلسي حتى حدود روسيا يمكن أن يكون أهم عامل في تسمم العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا.
وسجل الولايات المتحدة في الخداع والغدر هو أحد الأسباب التي تفسر لماذا يبقى احتمال الحل الدبلوماسي للمسألة النووية الكورية الشمالية شبه معدوم.

*باحث في شؤون الدفاع والسياسة الخارجية في معهد «كاتو» للدراسات الأمريكي – موقع «ذا أمريكان كونسرفاتيف»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى