قضايا ودراسات

كتالونيا تنقذ العراق

مفتاح شعيب

في عالم السياسة ليست هناك قواعد ثابتة، ومعادلات لا تتغير، أو تنقلب على نفسها في وقت قياسي، خصوصاً في هذه المرحلة من التاريخ التي تتسم بسرعة التقلبات، وانفجار الأزمات، وتغيير التحالفات والأولويات، وهو تشخيص لا يحتاج إلى أمثلة أو تعريف، ولكن استقراء تداعيات الاستفتاءين اللذين حصلا في كردستان العراقي، وكتالونيا الإسباني، يقرب الصورة، ويوضح أن الأزمات يساعد بعضها بعضاً على إيجاد الحلول والانفراج.
عندما بدأ التحضير للاستفتاء في كردستان، كانت غاية الأكراد الجوهرية هي الانفصال عن العراق، وتأسيس كيان يكون نواة لدولة كردستان الكبرى، ضمن مخطط ليس خافياً على أحد، يقضي أولاً بتجزئة العراق إلى ثلاثة كيانات على الأقل، ويكون بوابة تقسيم أكبر لدول المنطقة العربية، على الخصوص، وقد بدأ العمل على هذا المشروع منذ الاحتلال الأمريكي، وتم عرض خطط، وخرائط، تستهدف عشر دول عربية على الأقل. وبسبب إرادة فطرية في المقاومة تعطل المشروع من دون أن يموت، وجاء استفتاء كردستان ليمثل إحياء للخطة، رغم التمويه المتقن من جانب بعض القوى الدولية في رفضه، والادعاء بالحفاظ على السلامة الإقليمية للبلدان المهددة بالتقسيم. وإذا كانت «إسرائيل» من أشد المتحمسين لانفصال الأكراد، فقد عملت الإدارات الأمريكية المختلفة على تحقيقه، وأوضح الأدلة في هذا السياق الخطة التي عرضها نائب الرئيس الأمريكي السابق جوزيف بايدن، عندما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ عام 2006، كما عرضها أكثر من مسؤول عسكري لتقسيم العراق إلى ثلاث دول على الأقل، وسيظل البحث يستمر مداً وجزراً، بحثاً عن لحظة مناسبة لتطبيقها.
من سوء حظ الاستفتاء الكردي أنه تزامن مع استفتاء كتالونيا في إسبانيا، وبدا من حيثيات كليهما أن مصيرهما واحد، كما بدا موقفا مدريد وبغداد متطابقين، وكلتاهما تستقطب المواقف الدولية لدعم الوحدة الجغرافية والسياسية لدولة كل منهما، وهو ما حصل بقوة مع الأولى، وضمنياً مع الثانية، فمن يقف إلى جانب إسبانيا ويرفض المس بوحدة سيادتها وأراضيها لا يستطيع أن يناقض نفسه في العراق. ولذلك تم تسجيل تراجع متواز في برشلونة وأربيل، فقد قررت كتالونيا تأجيل إعلان الانفصال والقبول بالحوار مع السلطات الإسبانية المركزية، وعلى المنوال نفسه نسج المسؤولون في كردستان بقبول التفاوض مع بغداد، فيما بدأ الفتور يطغى على «الفرحة» بإجراء الاستفتاء، كما بدأت المؤشرات تتوالى عن انقسامات عميقة في البيت الكردي، وأصبح البعض يشعر بالندم عن خوض مغامرة في ظرف دولي وأوروبي غير مناسب بالمرة.
ربما يصح القول إن استفتاء كتالونيا، والتشدد الأوروبي والغربي في رفضه قد أحبط انفصال الأكراد، وأنقذ العراق، ومعه المنطقة، من تقسيم متوقع منذ عقود. ولو كان الاستفتاء الكردي يتيم عصره، لربما كانت المواقف الغربية مختلفة، ولسارع بعضها إلى الترحيب بحق الأكراد في تقرير مصيرهم، تأكيداً للازدواجية الغربية المألوفة في التعامل مع الأمم الشرقية عموماً. ولكن الوضع لم يسمح بممارسة هذه اللعبة، وإذا تمكنت إسبانيا من امتصاص رجة استفتاء كتالونيا، سيتمكن العراق من تحييد مخاطر الانفصال الكردي، ويقضي عليها، أو ينفيها إلى أجل غير مسمى.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى