قضايا ودراسات

لغز حرائق تونس

مفتاح شعيب
فتحت الحرائق غير المسبوقة التي عصفت ببعض الغابات التونسية الأبواب أمام تكهنات عديدة عن نشوبها في هذا التوقيت، ولم يستبعد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن تكون هذه الحرائق متعمدة ونوعاً جديداً من الإرهاب الذي يستهدف تونس لإنهاك الاقتصاد واستنزاف أجهزة الدولة في تطويق الكارثة ومعالجة تداعياتها مثل إعادة تشجير الغابات ودفع التعويضات للمتضررين.
الصلة بين الحرائق والعمل الإرهابي لا تبدو لغزاً عصياً على الحل، فقد وقعت في غابات تحتل مساحة واسعة في الشمال الغربي للبلاد في ولاية جندوبة، وهي منطقة يشتبه في إيوائها عناصر إرهابية مطلوبة ونفذت خلال السنوات الماضية اعتداءات على أجهزة الأمن والجيش. وعندما أصبحت تلك العناصر محاصرة ومقطوعة لجأت إلى شن عمليات سلب ونهب بحق الفلاحين والقرويين. وفي سياق انتقامها من الدولة والمواطنين دارت الشبهة حول مسؤوليتها عن الحرائق المفاجئة، فمثل هذه العناصر لا تتورع عن اقتراف أسوأ ما يتخيله المرء لإلحاق الأذى بالبشر، ولو كان ذلك بهدم الفضاء الذي تتخفى فيه وتتخذه وكراً للتخطيط للأعمال الغادرة. وإذا صحت هذه الفرضية، فقد حققت الحرب التونسية على الإرهاب أحد أكبر أهدافها المتمثل في تجفيف معاقل تخفي الإرهابيين، بعد أن توفقت الأجهزة الأمنية في محاصرة الأنشطة المتطرفة في المدن، وتم خلال الأشهر الأخيرة ضبط العشرات، وربما المئات من العناصر المتطرفة، ضمن خلايا كمنت داخل المجتمع المدني وتعمل بالتنسيق مع العناصر الناشطة في الجبال والغابات.
قبل أيام قال رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، إن تونس حققت مكاسب نوعية في ملاحقة الإرهابيين بالتعاون مع شركائها الدوليين، لكنه حذر من أن الخطر ما زال ماثلاً ويتطلب مزيداً من اليقظة، وتزامن هذا التحذير مع تنبيه أوساط أمنية إلى أن انهيار تنظيم «داعش» وتنظيمات متطرفة مختلفة في سوريا والعراق وليبيا سيرفع درجة التهديد الإرهابي في دول أخرى ومنها تونس التي تم الزج بالمئات من أبنائها في تلك التنظيمات. فاحتمال عودة البعض منهم قائم، ما يمثل خطراً يستوجب الاستعداد له. ورغم أن الأجهزة التونسية قد أثبتت كفاءتها وقدرتها على امتصاص التهديدات، تفرض المسؤولية الوطنية على الدولة الحرص على المكاسب المنجزة في الحرب على الإرهاب، ومنها الحفاظ على الحياة الديمقراطية وصيانة الاستقرار الذي ساهم في انطلاق الاقتصاد من جديد وإعادة الثقة إلى قطاعاته.
أواخر الشهر الماضي ألغت بريطانيا تحذيراً لمواطنيها بعدم السفر إلى تونس بعد أكثر من عامين من الهجوم الإرهابي الذي استهدف منتجعاً سياحياً في سوسة، وأسفر عن مقتل 30 سائحاً بريطانياً. وكان رفع التحذير إشارة إيجابية عن تحسن الوضع الأمني في تونس، كما بعث برسالة طمأنة إلى العالم بأن الوضع مستقر وآمن. ولا شك أن القرار البريطاني كان مدروساً ويحظى بمصداقية، كما يعد واحداً من نتائج المكابدة التونسية العسيرة في ملاحقة الفكر المتطرف وتجفيف منابعه واستئصال عناصره من المجتمع. وقد يستدعي هذا النجاح ردود فعل انتقامية ينفذها المتطرفون، وقد تكون الحرائق الأخيرة واحدة منها، وقد تكون في صيغ أخرى، وهو ما يفرض على تونس التحسب لكل شيء، وعليها أن تضع جميع الفرضيات في موضع البحث حتى يتبين لها العكس.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى