مقالات رئيس التحرير

مبارك خلف القضبان

محمد سعيد القبيسي

بعد سقوط مبارك على أيدي شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعد ظهوره لأول مرة منذ خلعه من وراء القضبان على سريره الأبيض ليشهد أولى جلسات محاكمته، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، ظهر علينا الكثير من المتعاطفين والمدافعين عن مبارك وشلته الكريمة، فسمعنا من قال ارحموا عزيز قوم ذل، وآخر يقول الضرب في الميت حرام، والكثير من العناوين والمقالات التي تصف ما آل إليه الرئيس الآن من ضعف ومرض، وبأن حالته الصحية لا تحتمل التحقيق معه ومحاكمته.

والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة لهؤلاء المدافعين والمتعاطفين مع مبارك، نقول أين كنتم من قبل؟ ولماذا لم تنطق ألسنتكم لتقولوا لمبارك ارحموا شعباً ذل، أو(خف شويه عليهم يا ريس)، ألم تكن هناك أهمية للشعب بقدر أهمية مبارك والتصفيق له؟.

لا أنكر بداية بأنني كنت متعاطفاً مع مبارك، وعن الطريقة التي أجبر فيها على ترك الحكم واعتزاله أو احتجازه في شرم الشيخ، ولكن بعد تنحيه وانكشاف الستار عن الأمور والخبايا التي ظلت خلف الكواليس لثلاثة عقود، لم يعد هناك عطف أو تسامح له غير محاكمته وأخذ جزاءه الذي يستحقه.

لقد عانى الشعب المصري الكثير من النظام المباركي الذي خيم عليه بحكم قانون الطوارئ، هذا القانون الذي يحمل الضوء الأخضر في كل مكان ليفعل ما يريد من اعتقال وسجن وتعذيب لمجرد الاشتباه فقط، وفي أبسط الأحوال يتم ترحيل هذا المعتقل من مركز إلى مركز مروراً بجميع محافظات مصر للتأكد من عدم طلبه في أي جريمة، وقد تستغرق هذه الإجراءات أياماً وربما أسابيع، ليعود بعدها منهاراً وربما بحاجة لعلاج نفسي ليعود إلى طبيعته.

ومن قانون الطوارئ إلى المواكب الرئاسية والوزارية التي قد تعطل مصالح الكثير من المواطنين، أو يتوقف إسعاف تحمل مريضاً في حالة حرجة في طريقها إلى المستشفى بانتظار مرور هذه المواكب، مع العلم بأن هذه المواكب كانت بشكل يومي.
الرئيس المصري يسافر للعلاج في الخارج وملايين المصريين من المرضى تسجل أسماؤهم في قوائم الانتظار بانتظارر دورهم لإجراء عمليات جراحية أو للعلاج، وقد تمتد فترات الانتظار إلى شهور وربما سنوات قد يموت فيها الكثير بانتظار دورهم.

التلفزيون المصري يصور مجلس الوزراء وقد امتلأت طاولاتهم بالمياه المعدنية بينما الشعب لا يزال يشرب من المياه الملوثة والتي ظلت تكتب عنها الصحافة وتعرضها نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية لإيجاد حل لهذه المشكلة، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالآذان سدت منذ زمن عن نداءات المواطن.

يتنقل مبارك وحاشيته من قصر إلى قصر ومن مصيف إلى آخر في نفس الوقت الذي تفترش فيه الكثير من الأسر والأفراد الأرصفة والأزقة، حيث لا يوجد مأوى لهم أو لا يستطيعون توفير مصاريفه، وقد شاهدت برنامجاً على إحدى القنوات المصرية للمذيع عمر الليثي حيث يستعرض هذا البرنامج المشاكل التي تواجه بعض الفئات من الشعب، وكانت مشكلة تلك الحلقة عن مجموعة من الصيادين يعملون في مهنة صيد السمك وبيعه، والغريب في الأمر بأن هؤلاء القوم اتخذوا من قواربهم بيوتاً في الليل يناموا فيها، وينجبوا أبناءهم أيضاً فيها، وفي النهار هي مصدر رزقهم حيث يذهبون بها للصيد برفقة عوائلهم ومن ثم العودة، فأين النظام السابق من ذلك.

جامعات يتخرج منها مئات الآلاف من الذكور والإناث سنوياً ولا يجدون أي فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاتهم، فتجد المهندس يعمل بقالاً، والمحامي حداداً، والإداري يعمل صباغاً، وقد رضوا بالعمل في هذه المهن لتخفيف العبء عن أسرهم، والحصول على ما يعيلهم، أما الآخرون الذين أعياهم البحث عن إيجاد أي وظيفة فتجدهم على المقاهي يقضون أوقاتهم، والبعض الآخر انخرط في الطريق الوعرة والخارجة على القانون، وهذه قضية أخرى يطول شرحها.

ولا يختلف الوضع لأسر أخرى لم تستطع توفير مصاريف التعليم لأبنائها، فتركتهم منذ نعومة أظفارهم وفي سن الثامنة ليعملوا في المقاهي والورش الصغيرة أو أي أعمال أخرى قد تتوفر وذلك لمساعدة أسرهم في توفير مصاريف الحياة.

الحكومة المصرية تبيع الأراضي في أفضل المواقع وبأرخص الأسعار على رجال الأعمال والمستثمرين والشركات الاستثمارية، بينما الشعب لا يجد غير الأراضي الزراعية ليبنيها مكوناً بما يسمى بالأحياء العشوائية، والتي امتلأت بها القاهرة، حيث تفتقر معظم هذه الأحياء من مكونات البنى التحتية الأساسية.

ملف الشعب كبير وطويل ويصعب حصره في مقال أو كتب وربما مجلدات لا تكفيه، ولو أخذت تلك القضايا في وقتها ووضعت للدراسة وإيجاد الحلول لها، لما تراكمت وتزايدت، وأصبح الملف أثقل من أن يحمله مبارك أو أي حكومة أخرى، فلينظر المدافعون والمتعاطفون مع مبارك ماذا قدمت يداه؟

وأدعوهم لجولة واحدة في شوارع مصر وسؤال أي مصري تجده أمامك ماذا أعطاك مبارك؟ حينها ستعرفون من الجواب من هو مبارك. ألم يزرع مبارك الحقد والكراهية والظلم، فماذا سيجني غير ذلك؟

وهل يتوقع مبارك بأن الشعب المصري سيقابل ما قدمه مبارك لهم طوال ثلاثة عقود بالعفو والغفران وإرسال الزهور وإشعال الشموع أمام المستشفى الذي يرقد فيه؟
بالطبع لا، فالشعب يريد الحياة الكريمة التي طالما حلم بها والتي لم يستطع مبارك طوال فترة حكمه من أن يوفرهاا لهم، وكما ذكرت في عدة مقالات سابقة بأن هذه الشعوب الثائرة تفتقر إلى أقل أساسيات الحياة، وقد طالبت هذه الشعوب مراراً وتكراراً للحصول عليها ولكن دون جدوى، ومع تراكمات تلك المطالب على مر السنين ازدادت وتحولت إلى ثورات تطالب بحقوقها الأساسية والشرعية، وسواء تنحى مبارك من تلقاء نفسه أو أجبره الجيش على التنحي أو بما سمّاه البعض بالانقلاب، فالمهم هو أن الثورة حققت أهم أهدافها التي قامت من أجلها، وهي إزالة العقبة (نظام مبارك) التي كانت في طريق تحقيق المطالب الشعبية.

نشرت على العربية نت

زر الذهاب إلى الأعلى