قضايا ودراسات

مسيرات العودة.. وجهود التهدئة

عوني صادق

في الثلاثين من آذار/مارس الماضي، في يوم الأرض، انطلقت «مسيرات العودة»، وقد مضى عليها حتى الآن أكثر من سبعة أشهر، وكانت حصيلتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وهي مستمرة. وكما هو معروف، وما يدل عليه اسمها، كان الغرض منها المطالبة بحق العودة، لكنها انتهت إلى أغراض أخرى: رفع الحصار، والتوصل إلى «تهدئة»، ثم التوصل إلى «تسوية»!
كشفت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» (11/5)، أن غالبية أعضاء الحكومة «الإسرائيلية» المصغرة للشؤون السياسية والأمنية، أيدوا في اجتماعهم الأخير (11/4)، استمرار الجهود للتوصل إلى اتفاق تهدئة مع (حماس) والمبعوث الدولي نيكولاي ميلادينوف. ولم يعارض سوى أفيغدور ليبرمان الذي أصر على مطلبه بتوجيه ضربة قاسية للحركة. وذكرت مواقع «إسرائيلية» مختلفة، أن الحديث يدور عن اتفاق لتهدئة ووقف إطلاق نار مع حركة (حماس)، يقوم مبدئياً على تمكين تحويل التمويل القطري لدفع رواتب موظفي القطاع، وتمويل الوقود والغاز القطري إلى غزة لتشغيل محطات الكهرباء في القطاع.
أكثر من سؤال تطرحه «المسيرات» وما آلت إليه. أول الأسئلة: من الذي استفاد من هذه المسيرات؟ في مقال للمحلل العسكري لصحيفة (هآرتس- 2018/11/4)، عاموس هرئيل، قال: إن مسيرات العودة نقلت حركة (حماس) إلى القمة، وجعلتها «شريكاً شرعياً» في نظر المجتمع الدولي. وأضاف:«إن الضغط على حدود قطاع غزة أفضى إلى قرب التوصل إلى وقف إطلاق النار لمدة ثلاث سنوات»، مؤكداً أن الضغط المصري، والمال القطري، يدفعان نحو إنجاز هذا الاتفاق«! وأوضح أن»تخفيف حدة المسيرات سيسمح بتخفيف القيود على قطاع غزة، وتوسيع منطقة الصيد، وفتح معبر رفح البري، وتنشيط حركة المعابر مع (إسرائيل)!
مما لا شك فيه أن رفع الحصار، أو تخفيف القيود المفروضة على القطاع، وبالشكل الذي تحدث عنه هرئيل، سيفيد كل الغزيين، وسيحل الكثير من مشاكلهم المعيشية اليومية، ولن يجادل أحد في هذا الموضوع. لكن ما يترتب عليه من «التزامات» سياسية ستمس الجميع أيضا، والقضية الأم التي خرجت «مسيرات العودة» من أجلها في الأساس. وفي رأي عاموس هرئيل أنه «إذا لم تعقد (حماس) اتفاقا في وقت قريب، فقد يعني ذلك أن تفقد السيطرة على ما يجري في غزة»، مشيراً في ذلك إلى موقف حركة (الجهاد الإسلامي) مما يجري (هآرتس- 2018/11/4). وبالرغم من أنه قد لا تكون لنتنياهو وحكومته مصلحة في الانزلاق إلى حرب واسعة في الظرف الراهن، إلا أن المؤكد أن نتنياهو وأعضاء حكومته يتطلعون إلى ثمن أكبر بكثير من مجرد «الهدوء» ليرفعوا الحصار عن غزة، أو حتى ليخففوا قيوده عليها، وحركة (حماس) تعرف هذا جيداً.
وقد تنظر (حماس)، إذا ما تحقق لها ما تريد من (التهدئة) «إنجازاً» كبيراً، وحتى الالتزام ب «هدوء» لثلاثة أعوام، قد لا يكون في نظرها خسارة، بل ربما ترى فيه «وقتا لالتقاط الأنفاس»! لكن «منجزها» في حد ذاته يظل مهدداً بالسقوط، لأنه محكوم لما تراه الحكومة «الإسرائيلية» على الأرض، ولذلك رهنته «متدرجاً بمدى التزام حماس» بما ينص عليه الاتفاق الذي سيخبىء الكثير من الشياطين! يضاف إلى ذلك أن «نوايا وخلفيات» الأطراف الخارجية التي تحثها على التوصل للاتفاق معروفة للجميع من حيث اهتمامها بما يسمى (عملية السلام) الأمريكية المسماة (صفقة القرن). هذا يعني أن الضمان الحقيقي لإنجاح أية «مناورة» سياسية يقوم بها طرف فلسطيني مرهونة باتفاق فلسطيني- فلسطيني قبل أي اتفاق آخر!
وفي اجتماع الرئيس السيسي- عباس (11/4)، ظهر أنه انتهى إلى «تليين» موقف عباس من الجهود المصرية بشأن (التهدئة)، لكنه لم يسفر عن تغير في موقف السلطة الفلسطينية من موضوع (المصالحة)، إذ نسب إلى عباس قوله: «أريد غزة فوق الأرض وتحت الأرض»، بمعنى أنه إذا تم التوصل إلى (التهدئة) دون التوصل إلى (المصالحة) على شروطه، فسيعني ذلك أن المخطط «الإسرائيلي» لفصل غزة عن الضفة الغربية يتقدم بنجاح!

awni.sadiq@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى