قضايا ودراسات

مصداقية الانتخابات في مناطق النزاع

الحسين الزاوي

تثير الانتخابات التي يجري تنظيمها في مناطق النزاع في الدول الفاشلة أو المرشحة للفشل، تساؤلات جدية بشأن مصداقيتها من منطلق أنها لا تسهم بالضرورة في إيجاد أرضية مشتركة للمصالحة ما بين أطراف الصراع؛ لأن الانتخابات التي من المفترض أن توفر حلولاً واقعية للأزمات السياسية وللحروب الأهلية، كثيراً ما تتحوّل هي نفسها إلى عنصر خلاف جديد يُؤجِّج الفتنة الداخلية، من خلال العزف على وتر التمايزات القبلية والمناطقية والعرقية والطائفية، من أجل الحصول على مكاسب يمكنها أن تعوِّض الاختلال الحاصل على مستوى موازين القوى، بين مختلف مكونات المجتمع والدولة.
ويعتمد المجتمع الدولي إذن بكل هيئاته ومؤسساته في سياق سعيه لحل النزاعات داخل الدول، على آلية المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، بهدف وضع ترتيبات سياسية تسمح بإجراء انتخابات شاملة، تقود إلى وضع حد للمواجهات المسلحة، لكنه يعجز في المقابل عن المساهمة في خلق ثقافة سياسية ومجتمعية ترى في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، حلاً للمشاكل السياسية؛ لأن ضعف قيم المواطنة في دول العالم الثالث، يُحوِّل المشاركة السياسية إلى شكل من أشكال المحاصصة المستندة إلى تقاسم المنافع التي يمكن أن تقدمها الدولة، التي تعتمد على تسلسل هرمي مقلوب، تنتظر فيه القاعدة ما يمكن أن تجود به القمة.
وتفرض مثل هذه الوضعيات المتأزمة تحديات كبرى على مستوى المشروعية السياسية التي تفرزها الانتخابات الملأى من حيث الشكل، والفارغة على مستوى المضامين والقيم المشتركة.
ونستطيع أن نقارب هذه الإشكالية انطلاقاً من أمثلة ملموسة، لأحداث جرت وستجري في عدة مناسبات في كثير من الدول العربية والإسلامية؛ فقد شهدت أفغانستان خلال شهر أكتوبر الماضي، انتخابات تشريعية عاصفة، في مناخ غلب عليه العنف والتزوير، حيث عرفت الكثير من مراكز الاقتراع تفجيرات دامية أودت بحياة العشرات من الناخبين، وخاصة في العاصمة كابول. وقد دفع هذا الوضع الأمني المضطرب، المراقبين المحليين والدوليين إلى التعبير عن مخاوفهم الكبيرة بشأن مصير الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها أفغانستان في أبريل/نيسان من السنة المقبلة، والتي تشكل الرهان الرئيسي بالنسبة للسلطات المحلية وللقوات الأمريكية الموجودة في مناطق مختلفة من التراب الأفغاني.
أما بالنسبة للأزمة السورية، فإنه يجري الترويج في السياق نفسه، إلى أن الحل النهائي سيكون سياسياً وليس عسكرياً، وهو افتراض يبدو في رأينا صحيحاً من الناحية النظرية، لكنه مازال مستعصياً على التنفيذ من الناحية العملية، فالأطراف الدولية ومعها القوى الإقليمية، ترى أن الانتهاء من صياغة الدستور وإجراء انتخابات عامة في البلاد، سيمثل الحل الأمثل للمعضلة السورية، بينما تذهب بعض التحليلات إلى القول إن الانتخابات وخاصة الرئاسية منها لن تكون كافية لتقديم حلول جذرية لهذه المعضلة؛ لأن تغيير رأس هرم السلطة لن يكون كافياً من أجل حسم الصراع بشأن مشروع المجتمع من جهة، وفيما يتعلق بمستقبل مؤسسة الجيش وطبيعة عقيدتها العسكرية ومواقفها من مختلف الملفات الرئيسية، وفي مقدمها الصراع مع «إسرائيل» من جهة أخرى.
ومن المستبعد أيضاً، أن يقبل النظام الحالي وخاصة في الظروف الراهنة، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة قبل نهاية الولاية الرئاسية لبشار الأسد، كما أن إجراء مثل هذه الانتخابات المسبقة لن يضمن في كل الأحوال، تقديم حل توافقي للأزمة بكل أبعادها المحلية والإقليمية والدولية.
ويرتبط المثال الثالث والأخير بالوضع في ليبيا، التي شهدت نقاشاً حاداً بين مختلف الأطراف المتحاربة، بشأن الحلول السياسية التي يمكن أن توفرها عملية إجراء انتخابات برعاية دولية وأممية؛ إذ إنه على الرغم من التزام القوى الرئيسية المتصارعة أثناء لقائها في باريس في نهاية مايو/أيار الماضي، بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل، إلا أن المواجهات العسكرية التي اندلعت بعد ذلك، مصحوبة بتصعيد إعلامي وسياسي، حوّلت هذا الالتزام إلى حبر على ورق. ومن غير الواضح حتى الآن، ما إذا كانت القوى المهيمنة على المشهد الداخلي الليبي، قادرة على التوافق في هذه المرحلة على حل سياسي يضمن إجراء انتخابات هادئة، بعيداً عن قعقعة السلاح وأزيز الرصاص، كما أنه من غير المؤكد أن تقبل مختلف الأطراف بنتائج مثل هذه الانتخابات في حال إجرائها.
صفوة القول هو أن الانتخابات تمثل آلية محايدة لا تحمل في حد ذاتها قيماً ومضامين سياسية إيجابية أو سلبية، ولا يمكن التعويل عليها بشكل تلقائي في توفير حلول حقيقية وجدية للأوضاع السياسية المأزومة والمتوترة في دول قوس الأزمة؛ لأن اللعبة الديمقراطية بالمعنى الحرفي لكلمة لعبة، لا تكون مثمرة ولن يكون بإمكانها تحقيق أهدافها، إذا لم تلتزم كل الأطراف بقواعدها، حتى يكون بإمكانها تقديم مباراة تجمع في اللحظة نفسها بين التشويق والمتعة، ويخضع فيها كل اللاعبين لحكم القانون والمؤسسات التمثيلية، وذلك لعمري غير متاح البتة في دول تفتقر مجتمعاتها لثقافة وتقاليد سياسية راسخة، قائمة على احترام التعدد والاختلاف وعلى المساواة في حقوق المواطنة.

hzaoui63@yahoo.fr

زر الذهاب إلى الأعلى