قضايا ودراسات

موريسون على خطى ترامب

يونس السيد

طوال العقود الماضية، كانت السياسة الخارجية الأسترالية تحافظ على نوع من التوازن في العلاقة بين الفلسطينيين والعرب، من جهة، و«إسرائيل»، من جهة أخرى؛ لكن يبدو أن عدوى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقلت بسرعة إلى رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون وقرر أن يسير على خطاه.
ما أفصح عنه موريسون، مؤخراً، بشأن نيته الاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل»، ونقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إليها، يشي بتغيير جذري بالسياسة الأسترالية تجاه الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» والمنطقة عموماً، ويتناقض مع السياسة، التي كانت سائدة منذ عقود وحتى عهد سلفه مالكولم تيرنبول، الذي رفض السير على خطى واشنطن ونقل السفارة الأسترالية من «تل أبيب» قبل أن يطاح به؛ لكن موريسون، الذي لا يخفي تعاطفه مع «إسرائيل»، وجد الفرصة سانحة أمامه؛ لتحقيق مكاسب انتخابية بالحصول على أصوات الجالية اليهودية الكبيرة في انتخابات فرعية؛ لكنها تعد مهمة، علاوة على مكاسب مادية وسياسية؛ من خلال الانحياز ل «إسرائيل» والتماهي مع المواقف الأمريكية، حتى ولو على حساب المصالح الأسترالية مع العالمين العربي والإسلامي.
يغلف موريسون موقفه الجديد بمحاولة الظهور بالرجل العقلاني؛ عندما يؤكد تمسك بلاده
ب«حل الدولتين»، وإن كان لا يرى جدوى فيه، ويعطي لنفسه فرصة لإطلاع وزرائه على خططه والتحادث مع عدد من الزعماء في العالم قبل اتخاذ القرار النهائي؛ لكنه، في الواقع، اتخذ قراره مسبقاَ؛ عندما أبلغ نتنياهو بنيته نقل السفارة الأسترالية من «تل أبيب» إلى القدس خلال الشهر المقبل. والأنكى من ذلك أنه يحاول التخفي خلف تبرير ساذج بأن الاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» ونقل السفارة إليها لا علاقة له ب«حل الدولتين»؛ بل يترك الأمر مفتوحاً لإمكانية الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، وهي ذريعة لم تنطل على أحزاب المعارضة الأسترالية، التي اعتبرت أنه يلعب «ألعاب كلمات خطرة وماكرة بالسياسة الخارجية الأسترالية»، وأنه «مستعد لقول أي شيء إذا رأى أنه سيجلب له بعض الأصوات حتى ولو كان على حساب المصلحة العامة الأسترالية».
وسط هذا السجال والجدل الداخلي، دخلت أجهزة الاستخبارات الأسترالية على الخط، محذرة من أن الاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» ونقل السفارة الأسترالية إليها، سيؤدي، ليس فقط إلى تصعيد العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما إلى تعريض المصالح الأسترالية والعلاقات مع العالمين العربي والإسلامي للخطر، كما حذرت من التصويت ضد الفلسطينيين في الأمم المتحدة. وقد ظهرت أولى بوادر ردود الفعل في اجتماع عقده سفراء 13 دولة عربية في كانبيرا، اتفقوا خلاله على إرسال خطاب لوزارة الخارجية، يحذرون فيه من أن هذه الخطوة ستلحق الضرر بعملية التسوية، وسيكون لها عواقب وخيمة على العلاقات المشتركة ليس فقط مع الدول العربية، وإنما مع الكثير من الدول الإسلامية أيضاً.
في كل الأحوال، يتوقف الأمر على الخطوة التالية، وما إذا كان موريسون سيترجم نواياه عملياً على أرض الواقع، وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى قلب الأوضاع رأساً على عقب في العلاقة مع أستراليا، وإشعال نيران الغضب في الأراضي المحتلة.

younis898@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى