قضايا ودراسات

نبطي أو شعبي؟

د. حسن مدن

طرح الأديب العماني عبد الله حبيب ملاحظة مهمة للنقاش حول التفريق بين الشعرين: الشعبي والنبطي. محقاً، لاحظ عبد الله أن مفردة «شعب» ليست راسخة في تاريخ الثقافة العربية، بل كانت كلمة «قوم» هي السائدة أكثر.
لذا فإن وصف «الشعر النبطي» vernacular poetry الدارج في منطقة الخليج والجزيرة العربية بالشعر الشعبي ينطوي على بعض الالتباسات، فالعرب، على نحو ما يذهب عبدالله حبيب، قالوا دوماً الشعر الفصيح، ولكنهم كتبوا أيضاً «الشعر النبطي» الذي لم يصلنا منه الكثير، وسمي كذلك لأنه «مُستنبط» من «الفصحات» (جمع فصحى)، حيث أن العرب قبل نزول القرآن الكريم كانوا يتكلمون بعدة «لغات» عربية سادتها عربية قريش بعد الوحي.
بدا لي أن عبد الله يقرن صفة»الشعبي»بالشعر الأوسع انتشاراً، كأن نقول إن شاعراً من الشعراء له شعبية كبيرة، لذا فهو يرى أن نزار قباني، مثلاً، شاعر»شعبي»بمعنى أنه مقروء على نطاق»شعبي»واسع، لكن نزار ليس شاعراً»نبطياً»، بل شاعر»فصيح».
ملاحظة عبد الله هذه بحاجة لاستكمال، فالأمر لا ينحصر في التفريق بين الشعبي والنبطي فحسب، وإنما يتعين التفريق أيضاً بين الشعر النبطي والشعر العامي، فالأول ليس سوى نوع من الثاني، أي أن الشعر العامي أوسع وأشمل.
وأود أن أشير هنا إلى الحال البحرينية، فبحكم الطبيعة الأركيولوجية للبلاد كونها جزيرة صغيرة، لا صحراء فيها، واشتغل أهلها قبل النفط في الغوص على اللؤلؤ وصيد الأسماك من جهة، والزراعة من جهة أخرى، وما رافق ذلك من نشاط تجاري فإن ظاهرة الشعر النبطي المعروفة في نجد وباقي الجزيرة العربية لم تكن شائعة فيها، وإنما ساد نوع من الشعر العامي المختلف في تركيبته ومفرداته عن القصيدة النبطية.
لاحقاً، أفرزت البيئة المدينية في البحرين شعراء بالعامية خرجوا من تحت مظلة الحداثة الشعرية، نذكر منهم علي عبد الله خليفة وعلي الشرقاوي وإبراهيم بوهندي والمرحوم عبد الرحمن رفيع، مع ملاحظة أن الأربعة كانوا أساساً شعراء بالفصحى، ولكنهم كتبوا شعراً عامياً خصباً وعذباً.
ربما يصح هذا على الكويت أيضاً، ولا ننسى أن تجربة شاعر إماراتي مثل الراحل أحمد راشد ثاني تندرج في هذا السياق، كونه نشأ وتربى في بيئة ساحلية في خورفكان. ومفيد أن أذكر أن أحمد نفسه المأخوذ بالتجربة الشعرية لمواطنه الشاعر راشد الخضر توقف مطولاً أمام حقيقة أن بيئة إمارة عجمان كميناء، نشأ الشاعر بالقرب منه طبعت حياته وشعره بسمات، أظن أن شعر أحمد راشد بالعامية تأثر بها.

madanbahrain@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى