قضايا ودراسات

نحو نشر أسلحة في الفضاء

بيتر كورزون*

في 11 ديسمبر/ كانون الأول، وقع الرئيس دونالد ترامب أول توجيهات له بشأن السياسة الفضائية، وقد تضمنت توجيهاً رسمياً إلى وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لكي تعيد إرسال بشر إلى القمر وتستعد لإطلاق رحلات مأهولة إلى المريخ، وربما إلى أبعد منه.
تعهد ترامب في هذا التوجيه بأن تبقى الولايات المتحدة قيادية في استكشاف الفضاء، وشدد بالقول: «هذه المرة، لن نغرس علماً ونترك طبعة قدم فحسب، بل سوف نرسي أساساً لمهمة إلى المريخ وربما في يوم ما إلى عوالم كثيرة أبعد منه».
ويتوافق هذا التوجيه مع وعد ترامب بإبقاء الولايات المتحدة في مقدمة سباق الفضاء. وفي تصريح عقب توقيعه التوجيه، أشار ترامب إلى التطبيقات الدفاعية والعسكرية لبرنامج الفضاء الأمريكي قائلاً: «الفضاء مرتبط بصورة وثيقة بتطبيقات عديدة أخرى، بما فيها العسكرية».
ومن جهته، قال نائب الرئيس مايك بنس، الذي يترأس مجلس الفضاء الوطني، إن السياسة الفضائية الجديدة «سوف تعزز أمننا القومي وقدرتنا على ضمان الدفاع عن الشعب الأمريكي».
وأعلنت «ناسا» أنها ستطلب في مشروع ميزانيتها المقترح للسنة المالية 2019 تمويلاً أولياً للسياسة الفضائية الجديدة.
وتتطلع الولايات المتحدة إلى استغلال مكامن هائلة لمعادن أساسية وثمينة تتوفر بغزارة على القمر وكواكب أخرى. وقد دعت روسيا حديثاً الأمم المتحدة إلى وضع ضوابط لاستغلال مثل هذه الموارد الطبيعية. وتعتبر هذه الإجراءات ضرورية من أجل منع «الاستيلاء على كواكب». وتطالب روسيا الأمم المتحدة بأن تضع قوانين جديدة من أجل منع دول وشركات خاصة من إعلان ملكيتها لأجزاء من القمر أو حتى لكويكبات من خلال مجرد رفع علم وطني عليها.
وطبعاً، هناك أيضاً تطبيقات عسكرية. وفي هذا المجال، يبقى الكثير من الخطط سرياً، ولكن السر المكشوف هو الترابط بين استكشاف الفضاء والسياسة الدفاعية. وفي وثيقة الميزانية الدفاعية التي وقعها ترامب مؤخراً، قال الرئيس إن خطته «تبين ضرورة التفوق الأمريكي ليس فقط في البر والبحر والجو والفضاء الخارجي، وإنما أيضاً في الفضاء المعلوماتي». وفكرة وجود عسكري أمريكي دائم في الفضاء، خصوصاً على القمر، ليست جديدة، وقد بدأت دراستها منذ وقت طويل.
وخلال حملته الانتخابية، قال ترامب إنه يريد دفاعاً ضد الصواريخ البالستية «مع نظام إنذار مبكر ينشر في الفضاء وتكنولوجيات لرصد واعتراض الصواريخ».
يذكر أن نشر أسلحة في الفضاء كان في مقدمة الأجندة الأمنية لإدارة ترامب منذ أن تولى منصب الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2017. وقد دعا وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى تخصيص استثمارات أضخم من أجل استكشاف الفضاء لأغراض دفاعية. ونشر أسلحة في الفضاء سيكون عنصراً في الاستراتيجية الأمريكية للدفاع ضد الصواريخ. والولايات المتحدة لديها الإرادة والموارد لإطلاق برنامج فضاء يتضمن تطبيقات عسكرية، حيث تتوفر لديها الإمكانيات التكنولوجية والكوادر الخبيرة. ومنذ تولي ترامب الرئاسة، ارتفعت ميزانية «ناسا» من 5.15 مليار دولار إلى 5.19 مليار. وأحد أهداف البرنامج الفضائي الأمريكي هو التفوق على الدول الأخرى التي تملك قدرات فضائية.
واستكشاف الفضاء باهظ التكاليف بحيث يتعذر على بلد واحد أن يتحمل هذه التكاليف. ولهذا يجب أن يكون مجهوداً دولياً. والمشاركون يمكن أن يكونوا إما حلفاء أمريكا فقط، وإما جميع الدول التي تستطيع المساهمة، مثل روسيا، والصين، والهند ودول كثيرة أخرى.
واستكشاف الفضاء يمكن أن يكون إما سباقاً وإما تعاوناً دولياً بناءً. وإذا كان سباقاً، كما يبدو أنه سيكون، فسوف يقوض كلاً من الأمن الدولي والمعاهدات الدولية السارية للحد من التسلح، لأن أسلحة الفضاء تغطي المجال العالمي كله، وهي قادرة على شن هجمات مفاجئة على أي نقطة في الكوكب وفي أي لحظة من الزمن. وهذا سيزيد انعدام الثقة والشكوك المتبادلة. ونشر تكنولوجيات في الفضاء سيؤدي إلى رفض عقد معاهدات جديدة تضع ضوابط للأسلحة النووية ووسائل إطلاقها.

*خبير في شؤون الحروب والنزاعات – موقع «استراتيجيك كلتشر»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى