قضايا ودراسات

نعيق خارج السرب

خيري منصور

هل أصبح الوفاق العربي في حده الأدنى مستحيلاً رابعاً بعد العنقاء والغول والخل الوفي؟ وهل نصدق ما قاله كثير من المستشرقين عن فردية العربي ونرجسيته وانكفائه داخل شرنقة الذات؟
إن التسليم بمثل هذه المقولات ليس مضاداً فقط للتاريخ العربي؛ بل لبديهيات العلم، فما من طبائع ثابتة وأبدية للشعوب، وهناك عوامل موضوعية وذاتية تحدد منسوب تطورها، لكن هناك من الناس من توقفوا عن النمو الفكري عند القرن التاسع عشر، حين سادت نظريات عنصرية عن التفوق العرقي، ومن يقرأ التاريخ الأوروبي بالتحديد قراءة غير سياحية يجد أن شعوب القارة مرت بمراحل انحطاط وتآكل، وعاشت حروباً بعضها يطلق عليه حرب المئة سنة أو السبعين سنة. والحربان العالميتان لم تكونا بين أوروبا والقارات الأخرى؛ بل بين الأوروبيين أنفسهم!
والعرب شأن كل الأمم مروّا بتجارب مريرة من التشظي والتذرر، وعرفوا نتائج تلك المرحلة التي ساد فيها ملوك الطوائف، كما عرفوا تجارب من الوحدة والالتئام واحدة منها على الأقل انتهت إلى تحرير بيت المقدس!.
لهذا قد يكون التغريد خارج السرب مسموحاً به ثقافياً وإنسانياً؛ بسبب اختلاف الرؤى ووجهات النظر، لكن ما يحدث الآن هو نعيق وليس تغريداً خارج الأسراب كلها في فضاء ملبد بالدخان والغبار وليس بالغيوم!
ولا ندري كيف يمكن أن يقتصر دور النخبة في مرحلة ما من التاريخ على الهجاء والرثاء وبيانات النعي، فقد نشرت كتب ومقالات في العقدين الأخيرين تحمل عناوين صريحة في الرثاء منها وداع العروبة والعربي الأخير، وما بعد العرب!
والخلط بين ما هو ممكن وما هو متعذر أو مستحيل قد يملأ عيون من لا يرون أبعد من أنوفهم بالقذى. والعرب أمة يندر أن يكون لها أي مثيل من حيث القواسم المشتركة ذاكرة ولغة وثقافة وحلماً. والأجدر بنا أن نستمد المناعة من الممكنات التي لم يتحقق منها غير أقل القليل!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى