قضايا ودراسات

نكسة الحداثة العربية

د. حسن مدن

استكمالاً لحديث الأمس، نسأل اليوم: ما الذي أدى إلى انتكاس مسار الحداثة المجتمعية في العالم العربي كاملاً، لا في بلدان بعينها، إذا ما أخذنا من وضع المرأة من حيث دورها ومكانتها والنظرة إليها معياراً من المعايير الأساسية لقياس مدى رقي المجتمع وتقدمه وعصريته؟ ومفيد التذكير بمقولة أحد فلاسفة القرن التاسع عشر: «إذا أردت قياس مدى تقدم مجتمع من المجتمعات فانظر إلى وضع المرأة فيه».
كيف عادت النساء القهقرى، لا في المظهر وحده وإنما في التفكير لما كانت جداتهن قد ثرن وتمردن عليه، وضحين في سبيل تجاوزه، متحملات جور مجتمعات محافظة، منغلقة، ومع ذلك أفلحن في أن يدفعن ببنات جنسهن إلى آفاق التقدم، وناصرهن في ذلك رجال متنورون آمنوا بعدالة قضية المرأة.
الحق أن هذا التراجع لا يمكن فصله عن تراجع شامل نال من المجتمعات العربية في المفاصل، وأظهر أن الحداثة العربية بوغتت بالهجوم المضاد عليها، وهي لما تزل غضة غير مستوية العود، ولم تتوفر لها روافع راسخة، لأن التحديث لم يطل البنى المجتمعية والثقافية في عمقها، رغم أهمية ما حققته هذه الحداثة الهشة من مكاسب كان من الممكن البناء عليها، للمضي نحو الأمام بخطوات أوسع وأسرع.
من الظلم إلقاء اللوم في ذلك على المجتمع وحده، لأن المسؤولية الأساسية في الدفع بمهام التحديث تقع على الحكومات بالدرجة الأولى، والكثير من هذه الحكومات غلّب المصلحة الأنانية في تأبيد أو إطالة مكوثها في السلطة بمعاداة الحداثة وقواها الحية، بتحالفات براجماتية مع القوى المحافظة ومع «الإسلام السياسي» الذي وجد الساحات مفتوحة له فهيمن على ما أمكنه أن يهيمن عليه منها.
يمكن القول بشيء من الثقة إن انتكاسة التجربة الناصرية قد أرَّخت لبداية هذا التراجع، بعد هزيمة حزيران 1967، ثم الرحيل المفاجئ لجمال عبد الناصر، والانعطافة التي جرت في السياسات بعده، قبل أن يأتي حدثان إقليميان على قدر من الخطورة، ساعدا على قلب الأمور عاليها سافلها.
أولهما الحرب في أفغانستان، التي استقطبت بتشجيع ودعم وتمويل وتسهيل من بعض الأنظمة آلاف الشبان العرب، لا ليموت ويصاب من مات وأصيب منهم فحسب، وإنما ليتشبعوا بالفكر الأصولي، الإرهابي، ويعودوا به إلى أوطانهم، مشاريع مفخخة بكل المعاني، لا بالمعنى العسكري وحده، ثم أدت هيمنة رجال الدين الشيعة على الثورة الإيرانية عام 1979، وإقصاء القوى العلمانية والتقدمية الإيرانية واضطهادها، إلى تأجيج الاستقطاب المذهبي السني – الشيعي في المنطقة، واستدراج الولاءات العربية لأجندات الدول الإقليمية، الإيرانية والتركية على وجه الخصوص.
في لحظتنا الراهنة نشهد بدايات مشجعة على صحوة ضد «الصحوة» الزائفة التي قادتنا إلى ما نحن عليه.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى