مقالات عامة

هذا قدر غير مقبول

د.علي محمد فخرو

ما عاد بالإمكان تحليل، أوالاعتراض على الكثير مما يجري في أرض العرب بالتعابير غير المباشرة، ولا بلغة المجاملة تجاه هذه الجهة، أو تلك، بينما هي ترتكب الحماقات والأخطاء التي تضرُ بأمة العرب، وتهدم ثوابتها القومية والإسلامية الكبرى.
فالذين يُنزلون مسؤولية مواجهة الخطر الوجودي اليهودي من رأس قائمة الأولويات إلى ذيلها، ويقومون بخطوات متسارعة نحو التطبيع مع اليهود من دون أخذ موافقة صريحة وشرعية من قبل الشعوب التي يحكمونها، يجب أن يعرفوا أن خيانة الأمانة سيكون لها ثمن باهظ، إن عاجلاً أو آجلاً، وأن اتخاذ القرارات المصيرية الكبرى من قبل مجموعة صغيرة في غرف مغلقة، بعيداً عن مراقبة الإعلام، وسلطات التشريع المستقل، والمؤسسات الشعبية المدنية ينسف الأسس التي قامت عليها شرعية الحكم، أيّاً يكون نوعها.
والذين يغمغمون ببضعة تعابير مستهلكة خجولة مخادعة في وجه قرار مجنون حقير تتخذه الولايات المتحدة بشأن ثابت تاريخي – ديني – قومي – شعبي، كموضوع مدينة القدس، هم أناس لا يؤتمنون على المحافظة على استقلال وحرية وكرامة الأوطان. ولن تفيد هؤلاء الخطابات العابثة المدفوعة الثمن من قبل هذا الإعلامي، أو ذاك، أو من قبل هذا العالم الديني، أو ذاك، أو من قبل وسائل التواصل الاجتماعي التي ترعاها هذه الجهة الاستخباراتية، أو تلك.
يستطيع هؤلاء وأولئك أن يلبسوا لباس التقدمية، والعصرنة المظهري، من دون، بالطبع، المس بمصالح، وغنائم، وامتيازات الدولة العميقة المستترة، ولكن ذلك لن يساوي شيئاً أمام التفريط في الالتزامات القومية العربية والإسلامية، وبالاستهزاء بمشاعر الملايين من المواطنين العرب، وباحتقار قيم العدالة والإنصاف تجاه شعب عربي منهك، ومستباح، ومظلوم ومشرد، كالشعب العربي الفلسطيني. ولن يستطيع الصراع البليد المفتعل الطائفي بين هذا المذهب الإسلامي، أو ذاك، الادعاء بأن هذا الموضوع التاريخي العقيم الذي مات كل أصحابه وناشريه، أن يكون أهم من مواجهة الطمع والخطر اليهودي الهائل في الحاضر، أو أهم من التدخُلات والابتزازات الاستعمارية الأمريكية التي لا تنقطع، ولا تخجل شاملة الماضي والحاضر، ومهددة للمستقبل.
هنا يجب أن نطرح السؤال الصريح المؤلم التالي: هل حقاً أن كل تلك الممارسات السياسية، والأمنية، والاستخباراتية، المملوءة بالمخاطر والجنون، هي المدخل لحل الخلافات المعقدة الكثيرة بين بعض العرب وبين بعض الدول الإسلامية؟ هنا أيضاً، وكمثل فقط، دعنا نخاطب المسؤولين العرب والإيرانيين: هل حقاً أن دين الإسلام الجامع خلا من أية توجيهات، أو قيم، أو إمكانات لحل المشاكل فيما بين الأمم الإسلامية، سواء إيران، أو تركيا، أو غيرهما؟ ثم أين دور منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ومؤتمرات القمة العربية، ومؤسسات إقليمية سياسية ودينية كثيرة أخرى؟ فهل خلقت تلك لإلقاء خطابات المجاملة وزيادة الفرقة؟ .
لا نصدق أن التفاهم الندي غير ممكن، وأن الحلول المتوازنة العاقلة المهتمة بمستقبل الإسلام والمسلمين أصبحت مستحيلة وعصية على حكومات العرب والمسلمين. فهل يراد لنا أن نصل إلى الاستنتاج المفجع التالي: وهو أن الطبيعة والثقافة السياسية العربية والإسلامية قد وصلت إلى حدود التقيُح الأخلاقي، والهوس النفسي الجنوني، والانصياع المصدق لأكاذيب مجرمين كنتنياهو ، ولانتهازية أمثال الأمريكي كوشنر، ولتزمّت بعض مدارس الفقه الإسلامي المتخلفة؟
لقد طفح الكيل عند أبناء الشعوب العربية والإسلامية، إذ هم يرون أوطانهم لعبة مستباحة عند الإغراب الاستعماريين واليهود ، وإذ هم يرون ثروات أوطانهم تبذر في استعمال حركات جهادية إسلامية مشبوهة فاجرة ضد هذه الدولة الشقيقة، أو تلك، بينما تتناقص مشاريع التنمية الإنسانية الشاملة، وتبقى المجتمعات العربية والإسلامية تعيش في جحيم التخلف، والفقر، والفساد، والاستبداد.
هنا أيضاً يجب وضع المخرز في عين مؤسسات المجتمعات المدنية في طول وعرض وطن العرب وأوطان الإسلام. إن بقاءكم عاجزين، ومتفرجين، وأصحاب قلة حيلة، وغير قادرين على تخطي خلافاتكم الفكرية والإيديولوجية والدينية، قد أصبح فضيحة يندى لها الجبين، ويستهزئ بها العالم كله. فأحزابكم السياسية وجمعياتكم المهنية والحقوقية والمدنية وأصواتكم الخافتة المتصارعة تظهر أنكم غير قادرين على فهم وإدراك الأخطار الجسيمة التي تواجهها شعوبكم، ولا الالتزام بواجبات المواطنة المسؤولة الحرة المتمسكة بكرامتها الإنسانية.
لا يجوز لمحاولة شعوب الأمة العربية التاريخية منذ بضع سنوات الانتفاض من أجل حريتها وكرامتها الإنسانية، وبناء حياتها على أسس من العدالة والإنصاف والديمقراطية.. لا يجوز لها أن تنتهي، وتقبل بالتراجع الهائل والتدهور المفجع الذي وصلت إليه الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية في لحظتنا الراهنة.
هذا قدر غير مقبول، لا بمقاييس الأرض، ولا بمقاييس السماء.

hsalaiti@kpmg.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى