غير مصنفة

هذه السياسة لن تنقذ القدس

عوني صادق

بعد التهديد بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس قراره الإعتراف بالقدس عاصمة ل»إسرائيل» وبنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس. وفي هذا الإطار، كشف التلفزيون «الإسرائيلي»، القناة الثانية، يوم الأحد الماضي، عن استعدادات تجري بالفعل في أحد المباني في القدس المحتلة تمهيداً لتنفيذ قرار النقل. وأوضحت القناة أن الأمريكيين يجهزون المبنى لتنفيذ القرار فور إعلانه.
يجري ذلك في وقت يكثر فيه الحديث عن «صفقة القرن»، وتستعد فلسطين المحتلة لاستقبال نائب الرئيس الأمريكي، لزيارة يقال إنها تأتي لبحث آخر ما وصلت إليه زيارات المبعوثين الأمريكيين في مباحثاتهم مع الجانبين، الفلسطيني و«الإسرائيلي»، بشأن الصفقة. وإذا كان قد فهم أن قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية جاء كضغط تمارسه الإدارة الأمريكية على السلطة الفلسطينية للقبول بالصفقة التي سيعرضها ترامب، فإن نقل السفارة واعترافه بالقدس «عاصمة موحدة لإسرائيل»، وفاء بوعده الانتخابي، تتجاوز حدود «الضغط» إلى الإصرار على خلق واقع جديد، تساعد في تقريره المواقف الفلسطينية المتهافتة. (يذكر أن الكونجرس الأمريكي كان أقر قانوناً في تشرين الثاني 1995 يقضي بنقل السفارة في موعد لا يتجاوز نهاية أيار 1999، إلا أن الرؤساء الأمريكيين منذ جورج دبليو بوش دأبوا على تمديد تأجيل ذلك الموعد كل ستة أشهر).
الموقف الفلسطيني انطلق من الأنباء المتواترة عن احتمال نقل السفارة محذراً من نتائج هذه الخطوة. وقد ترددت التحذيرات على ألسنة عدد من المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وكذلك فعلت عدة فصائل فلسطينية، وبدأ الرئيس محمود عباس اتصالات «مكثفة» مع زعماء العالم والقادة العرب، بحسب ما أعلنه أبو ردينة الذي اعتبر هذه الخطوة، إن تمت، «ستدخل المنطقة في مسار جديد، وفي مرحلة خطرة لا يمكن السيطرة عليها». ونقل عن عباس قوله: «هذا القرار مرفوض، وهو ينهي أي أفق للمسيرة السياسية، ويدمر الجهود المبذولة في مسار السلام، ويزيد من التوتر في المنطقة».
وبالرغم من أن خطوة ترامب تخالف كل ما صدر عن الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والجمعية العامة من قرارات تتعلق بالمدينة المقدسة، والتي تعتبرها أرضا فلسطينية محتلة، إلا أن سلوك الحكومات «الإسرائيلية» التي اتخذت قرار ضم المدينة وأعلنتها «عاصمة موحدة لإسرائيل» بعد حرب يونيو/‏حزيران، يثبت يومياً أن حكومة بنيامين نتنياهو ماضية في تنفيذ سياساته الاستيطانية في القدس وضواحيها، غير آبه بالاحتجاجات الفلسطينية، بل والدولية، ومدعومة بلا تحفظ من جانب الولايات المتحدة. ومن نافل القول إن المواقف والسياسات التي اتبعتها السلطة الفلسطينية منذ إنشائها، لها دور كبير في ما أقدمت عليه الحكومات «الإسرائيلية» من توسع في الاستيطان وتهويد للمدينة.
إن سياسة «الحياة مفاوضات»، والتمسك بالرعاية الأمريكية، و«التنسيق الأمني المقدس»، إلى جانب ملاحقة الوطنيين والتضييق على عناصر المقاومة، بل واعتقالهم، كل ذلك وغيره لا يترك عقبة واحدة في طريق تنفيذ كل ما تخطط له الحكومة «الإسرائيلية»، أو تفكر فيه إدارة ترامب. وإذا أضفنا إلى ذلك الوضع الفلسطيني العابث، والوضع العربي المتهالك، ماذا يبقى مما يمكن أن تحسب له «تل أبيب»، أو واشنطن حساباً؟! المضحك المبكي أن يقول رجالات السلطة، أمثال أبو ردينة والمالكي، إنه إن تمت هذه الخطوة «تكون الإدارة الأمريكية قد وضعت نفسها في المكان المنحاز «لإسرائيل»».. الإدارة الأمريكية في نظريهما حتى الآن محايدة. إن قبول الولايات المتحدة «راعياً ووسيطاً في عملية السلام» لا بد أن ينتهي إلى مثل هذه المواقف والنهايات، مع ذلك، لو فرضنا أن التحذيرات الفلسطينية فعلت فعلها وأجل ترامب قراره، فلن يكون ذلك إلا تأجيلاً ينتهي، وستستمر الحكومة «الإسرائيلية» في سياستها التي تهود المدينة واقعياً.
لقد سبق وقلنا، وقال الكثيرون، ومنذ زمن بعيد، إن القدس على أهميتها لا تختلف في مصيرها عن مصير فلسطين كلها، والطامع في فلسطين كلها لا يرى القدس منتزعة منها. والحديث والتركيز على «المقدسات» يمكن أن يجعل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد مؤقتاً، أماكن مفتوحة لزيارة المسلمين والمسيحيين بشروط، لكنه لن ينقذها مثلما لن ينقذ القدس من المصير المحتوم، إن لم تتغير السياسات الفلسطينية التي يمكن أن تغير من السياسات العربية، والعالمية. أما الاستسلام الفلسطيني، فلن يوقف قطار التهويد، مثلما أنه لم يوقف قطار الاستيطان.

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى