قضايا ودراسات

هل نُقحت «اسم الوردة»؟

د. حسن مدن

أيكون العمل الأدبي الأبرز لكاتب من الكتاب عبئاً عليه؟ ونعني بالعمل الأبرز ذاك الكتاب الذي صنع، أكثر من سواه، شهرة الكاتب؟ ربما يتعين شرح المقصود هنا بالعبء، وهو أن هذا العمل الأبرز قد يصرف أنظار القراء وحتى النقاد عن بقية أعماله، خاصة تلك التي تأتي بعد أن حقق الكاتب صيتاً، ولكنّ هذا الصيت ظل مرتبطاً بذلك الكتاب عينه، ولم ينتقل إلى سواه من أعمال الكاتب نفسه.
تجارب كتاب كبار برهنت العكس، فصِيت «مئة عام من العزلة» لجابرييل ماركيز لفت الأنظار إلى أعماله السابقة لها، بحيث تعددت طباعتها لا بالإسبانية وحدها، وإنما باللغات الأخرى التي ترجمت إليها، وهذا يصح أيضاً على أعماله التالية لها مثل «الحب في زمن الكوليرا».
لكن للإيطالي إمبرتو إيكو رأياً آخر، فهو أبدى امتعاضه مراراً من التركيز على روايته الأبرز التي قد تكون هي ما صنع شهرته كروائي، أي «اسم الوردة»، وقال مرة إنه يشعر بالغضب الشديد عند سؤاله عن نجاح «اسم الوردة» الذي يرافق طبعاتها المتكررة، ولا يجري سؤاله عن أعماله الأخرى.
بل إنه ذهب للقول: لو أن جابرييل ماركيز بعد «مئة عام من العزلة» كتب «الكوميديا الإلهية» لظل الجميع يرهقونه ب «مئة عام من العزلة». وقال أيضاً إنه لاحظ ارتفاع مبيعات «اسم الوردة» كلما صدر له كتاب جديد.
ساءه كثيراً مرة أن ناشره كتب على غلاف طبعة صدرت للرواية بعد مرور ثلاثين سنة على صدورها، بأنها نسخة منقحة، ورأى في ذلك اختلاقاً من الناشر بغية تحقيق رواج أكبر للطبعة الجديدة، لأن فكرة التنقيح ذاتها ستثير فضول الجميع: ما عساه الكاتب قد غيّر أو أضاف إلى الكتاب في صورته التي صدر بها أول مرة، لذا فإن إيكو خاطب القراء: «لا تشتروا هذه النسخة، فليس فيها أي جديد».
لكنه مع ذلك اعترف بأن كل كاتب وهو يقرأ من جديد كتاباً له مضى على صدوره زمن طويل، يشعر بالحاجة إلى إحداث بعض التغييرات، وبالتالي فإن «اسم الوردة» لم تعد هي نفسها كما صدرت أول مرة، إذ بسبب الترجمات المتعددة لها اكتشف العديد من الأخطاء التي قام بتصحيحها من طبعة إلى أخرى.
يبدو هذا مثيراً للسؤال بعض الشيء، فبالوسع أن نفهم أن يخضع كتاب بحثي لمثل هذه التنقيحات خاصة إذا مرّ عليه زمن وتيسرت للباحث معطيات جديدة لم تكن متاحة له عندما وضع كتابه أول مرة. لكن هل يمكن أن يحدث مثل هذا في أجناس أدبية حتى لو كان رواية؟ وإلى أي مدى تظل الرواية هي نفسها إذا خضعت لتدخل من الكاتب في مساراتها وبناء شخوصها؟

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى