قضايا ودراسات

هل يجوز للوكيل أن يوكل غيره؟

د. عارف الشيخ

الأصل في الوكالة أن الوكيل صورة عن الموكل فيتصرف كما يتصرف الموكل، ولا يجوز له أن يخالف تعليمات موكله، لأنه يستمد صلاحيته من موكله، وليس له أن يتجاوز هذه الصلاحية.
لكن ربما يحدث ما يمنعه من القيام بذلك الأمر بنفسه مثل ما يحصل للموكل أيضاً، وقد جاء في تعريف الحنفية للوكالة بأنها «إقامة الغير مقام نفسه ترفهاً أو عجزاً في تصرف جائز معلوم».
من أجل ذلك فإن الفقهاء قالوا بأن الوكيل مع موكله له ثلاث حالات:
1- أن يمنعه منذ البداية من أن يوكل غيره في القيام بما وكله فيه، وفي هذه الصورة لا يصح للوكيل أن يوكل غيره باتفاق الفقهاء.
2- أن يجيز له التوكيل من البداية فيقول له: «ولك أن توكل غيرك» وفي هذه الصورة يجوز له أن يوكل غيره باتفاق الفقهاء أيضاً.
3- أن يصدر له وكالة مطلقة لم ينهه ولم يأمره بالتوكيل، ففي هذه الصورة يقول الفقهاء: الأصل فيها أنه لا يجوز له أن يوكل غيره لأن العرف يقتضي ذلك، لكن لكل قاعدة استثناء، فربما يكون الوكيل شخصية اعتبارية في المجتمع، وما طلب منه لا يليق بمقامه أن يقوم به، أو أنه كان قادراً وقت التوكيل ثم طرأ طارئ فعجز.
يقول الفقهاء: إذا كان الوكيل عالماً أو ذا جاه لا يقوم بنفسه عادة بمثل هذه المهمة، فلا بأس أن يقوم خادمه أو من يمثله بمثل ذلك العمل.
لنفترض أنه أغطى الوكالة لإمام مسجد أو تاجر لكي يتابع مزرعته، فليس من المعقول أن يقف ذلك الإمام أو ذلك التاجر في طابور شركة بيع السماد ليشتري السماد لمزرعة موكله، ففي هذه الحالة لا بد أن يوكل غيره.
أو أنه في وقت تنفيذ الوكالة مرض ومطلوب ذلك العمل منه في ذلك الوقت، فيصح له أن يبعث من ينوب عنه.
إذن فإن جمهور الفقهاء على أن الوكيل ليس له أن يوكل غيره فيما وكل به، والحنفية قالوا: ليس له توكيل غيره إلا إذا قال له اعمل ما ترى، ثم استثنوا الحالتين اللتين ذكرناهما ، وذهب الجمهور إلى الجواز في هاتين والضرورة تقدر بقدرها.
وذهب الحنابلة إلى أن الوكيل في حالة الإطلاق يجوز له أن يوكل غيره بمطلق الوكالة، (انظر حاشية ابن عابدين ج7 ص527، وحاشية الدسوقي ج3 ص349، ومغني المحتاج ج2 ص226، والمغني ج5 ص215_216).
أقول: ويقاس على هذه الصورة الاستثنائية اليوم حالات كثيرة من أحوال الناس في معاملاتهم، ومنها ما يحصل في بعض الحالات إذ قد يحضر الوكيل إلى الدولة بموجب تأشيرة الدخول.
لكن التأشيرة تنتهي قبل أن يقوم الوكيل بمهمته بيوم وربما بساعات، فيجبر على السفر، وعندئذ يقع الضرر على الطرف الآخر، ففي هذه الحالة ينطبق عليه ما ذكره الفقهاء من صور العجز، فله أن يوكل غيره لإتمام المهمة بالإنابة عنه.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى