قضايا ودراسات

أثرياء يتهربون من دفع الضرائب

شاك كولينز

إذا اختار أمريكيون التجول بسياراتهم عبر بلدهم هذا الصيف، فليلقوا نظرة على البنية التحتية المتدهورة لأمريكا، حيث الطرقات، والأرصفة، والمتنزهات العامة، ومحطات القطارات والحافلات، كلها تعاني التداعي.
يقول لنا المسؤولون الحكوميون «لا يوجد مال» من أجل إصلاح أو صيانة بنيتنا التحتية المتدهورة. ويضيفون أنهم لا يريدون زيادة الضرائب.
ولكن ماذا سيقول الأمريكيون إذا كانت مليارات الدولارات من إيرادات الضرائب تختفي؟
تظهر دراسات جديدة أن أثرى الأثرياء يخفون أموالهم بنسب مفزعة. وقد وجدت دراسة لعلماء الاقتصاد آنيت ألستاسيتر، ونيلز يوهانسن، وجابريال زوكمان، أن عائلات تزيد ثرواتها على 40 مليون دولار تخفي 25 إلى 30% من مداخيلها، وتتهرب بالتالي من دفع ضرائب على هذه الثروات. وهذه الأرقام المذهلة تنطوي على نتيجتين مقلقتين.
أولاً، نحن نفقد مليارات الدولارات كضرائب في كل سنة. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل طرقاتنا وأنظمة مواصلاتنا متداعية.
وثانياً، التفاوت في الثروات يمكن أن يكون حتى أسوأ مما كنا نعتقد. إذ إن دراسات اقتصادية استقصائية تقدر أن حوالي 85% من مكاسب المداخيل والثروات خلال العقد الأخير ذهبت إلى عشر ال 1% الأكثر ثراء. وهذا أمر سيئ جداً. ولكن ماذا إذا كان تركيز الثروات أكبر مما يبدو في الظاهر؟
تخيلوا ثروة بلدنا كخزان مياه عذبة عميق وواسع. مقدار صغير من هذه المياه يغذي القرى والحقول عبر مجراها على شكل دولارات ضرائب تخصص للخدمات العامة. وفي السنوات الأخيرة، انخفض مستوى المياه إلى مجرد رشح، فأخذت القرى عبر المجرى تعاني نقص المياه. وعندئذٍ طلب من الجميع أن يشدوا الأحزمة، ويقدموا تضحيات.
ولكن في العمق تحت سطح مياه الخزان، تم إخفاء أنبوب يسحب مقداراً كبيراً من المياه، يصل إلى ثلث مجمل مياه الخزان، نحو حوض سري في الغابة. وهناك، يسبح الأثرياء في المياه، في حين أن القرويين يعانون العطش وحقولهم تجف.
نعم، هذه هي الحقيقة. هناك أحواض فسيحة لثروات يملكها أفراد أو عائلات، يشكلون قسماً صغيراً من الأمريكيين فاحشي الثراء. وأغنى 400 ملياردير يملكون على الأقل مجموع ما يملكه 62 % من سكان الولايات المتحدة، أي نحو 200 مليون أمريكي.
أو ليس جميع دافعي الضرائب يقللون من حجم ما يملكون بصورة غير قانونية ؟ من الممكن أن هذا يحدث بالنسبة لبعض الأمريكيين. غير أن الأثرياء لا يكسبون بضعة دولارات بصورة غير قانونية، بل هم أصحاب مليارات يكدسون في الخفاء تريليونات من ثروة العالم. وأحدث الدراسات تظهر بشكل مؤكد أن تهرب أثرى الأثرياء من دفع الضرائب يتم على نطاق واسع.
وكيف يكون ذلك ممكناً؟ ففي النهاية، تحتسب ضرائب معظمنا على أساس قيمة ممتلكاتنا ومداخيلنا. وعلى سبيل المثال، ملاك المباني والمساكن يدفعون ضرائب على أساس قيمة ما يملكون.
ولكن الأثرياء لديهم الأموال التي تمكنهم من دفع أتعاب من يسمون «المدافعون عن الثروات»، من محامين مختصين في الضرائب، ومحاسبين، ومهنيين آخرين متخصصين في الشؤون المالية. وهؤلاء متواطئون في السرقة، ولديهم الخبرة في إخفاء حسابات مالية في بلدان أجنبية تعرف باسم «ملاذات ضريبية». وهؤلاء المهنيون يساعدون الأثرياء في التهرب من دفع الضرائب المتوجبة عليهم، رغم أنهم يعيشون مثل بقيتنا في بلد يخضع لحكم القانون.
طبعاً، ليس كل الأثرياء يتهربون من دفع الضرائب. وهناك مجموعة تسمى «الأثرياء الوطنيون» تدعو إلى سد الثغرات القانونية، وإقامة نظام ضرائب عادل وشفاف. وهم يضغطون على الكونجرس، لكي يتصدى بقوة لمشكلة تهرب أثرى الأثرياء من دفع الضرائب. ورسالتهم هي: أعيدوا الثروة إلى الوطن. توقفوا عن إخفاء الثروات في الملاذات الضريبية. ادفعوا ما يترتب عليكم من أجل تمويل الخدمات العامة والتمتع بالحماية القانونية.

باحث أمريكي يعمل لدى معهد الدراسات السياسية في واشنطن
– موقع «كومون دريمس»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى