قضايا ودراسات

أرجوحة الشباب

نور المحمود

الجالس على أرجوحة الشباب، يعلو مع لحظات العنفوان ويهبط مع انتكاسات عابرة أو ظلال قادرة على فرض غشاوة على العينين فيحسب الفتى أن السماء تكحلت بالسواد ولن تمطر إلا حزناً.
تساؤلات تخطر على باله، يرددها الباحث عن نفسه في لحظات الحوار الصامت: كيف تحقق ذاتك إن لم تقتنع بها وتصدقها؟ كيف تتركها تنطلق إن كنت تخجل منها وتراها أصغر مما تستحق؟
يصعب عليه أن يمنح نفسه ما تستحقها معظم الوقت. يرى في زملائه وأصدقائه النجاح والقدرة على تحقيق الأحلام، والتصرف بحرية، والتفكير بصوت عالٍ، والتعبير عن الأفكار بطلاقة.. بينما هو مكبل بقيود لا يدري كيف يفك أسره منها. يعرف الكثير ولا يبوح إلا بالقليل، يخزن المعلومات والأحلام والأفكار، فتتلبد كلها في عقله، ولكن متى تمطر؟
لا يحب الكسل، بل يرفضه ويتحداه في كل وقت ويثبت قدرته على التميز، لكن التردد يعيقه في التعبير عما بداخله. يخاف أن يخطئ، ولا ينتبه أننا جميعاً نخطئ، وأننا إن لم نفعل ذلك لن نكون بشراً! ويخاف أن يخسر، وهو لا يعلم أن الحياة تأخذ منا كما تعطينا، وأن في دفاترنا سجلات من الخسائر، بعضه نخشى أن يتكرر، وبعضه يحرقنا كالجمر كلما تذكرناه، وبعضه نضحك لأننا حزنا عليه يوماً فهو لا يستحق أي غصة، وبعضه تعلمنا منه كيف نصنع من الخسارة نجاحاً.
يعيش الدنيا بمشاعر فتية، تحب بكل الجوارح، وتتأثر بكل العواطف. في عينيه هي كل الفرح أحياناً، وكل الحزن أحياناً، ولا يعرف كيف يقف في منطقة الوسط غالباً. يمكنك أن تقول إنه يخبط كمن يستعد للولادة من جديد. هذه المرة يشق طريقه بنفسه، في البدء تكوّن جسدياً والآن يتكوّن فكرياً. يولد من رحم الحياة، يصير إنساناً مستقلاً، يمشي ببطء وبتهور، يجرفه الطيش إلى الوقوف عند حدود الخطر، ثم يعود إلى التردد.
ولادة طبيعية، وتكون قيصرية حين تضع الحياة الفتى فجأة وبشكل صادم أمام مسؤوليات عليه تحملها وحده وسط عالم من الكبار ووسط معركة البقاء الطويلة. قيصرية حين تصنع من الطفل رجلاً قبل الأوان، ومن الطفلة إنسانة مسؤولة عن أسرة، وعليها أن تجتاز كل مراحل الطفولة على غفلة لتصبح أماً أو أختاً تعيل وتفكر وتدبر شؤونها وشؤون الآخرين.
يصدق نفسه الفتى حين يؤمن بها وبقدراتها، وحين يرى أحجام الناس على حقيقتها، فلا يضخم حدثاً أو إنساناً لا يستحق، ولا يقلل من شأن أحد أو شيء يستحق التأمل والتقدير. يصدق نفسه حين يراها كما هي ويمنحها حرية القول وليس فقط التفكير.

noorlmahmoud17@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى