قضايا ودراسات

أرواح شعرية..

تنطوي روح كل شاعر كبير في العالم على نوع من التدين والغبطة الداخلية، بمعنى الإنسانية ومفهومها الثقافي الذي يزرع فكرة التعايش بين الشعوب ويحوّلها من خطاب نظري إلى سلوك.
أرواح الشعراء الكبار تحمل أيضاً ثقافة الحب أو فلسفة الحب، ومرة ثانية نحو التلاقي البشري والاحتفاء العظيم بالإنسان، واعتباره جذر العالم، والمعماري الأول الذي جَمَّلَ الأرض بالآداب والفنون.
أرواح الشعراء الكبار أيضاً أرواح صائمة عن كل ما يجرح الإنسان، فتبدو بيضاء، ونقية مثل ماء الينابيع.
بهذا المعنى، ففي كل شعر عظيم ثمة شيء من الخشوعية والدين والروحانية النقية، وسوف نلمس ذلك بالقلب قبل لمسه بالقراءة في أشعار ماثلة في ذاكرة الشرق والغرب لشكسبير، وعزرا باوند، فيكتور هيجو، وصلاح عبد الصبور، وآنا أخماتوفا، ورسول حمزاتوف، وليرمنتوف. وغير الشعراء نلمس بالقلب بعض الخشوعيات النائية بعيداً في الكتابة عند «هرمان هيسه» الشغوف الكبير بالشرق وأنوائه الفلسفية والروحية.
الأنواء الفلسفية والروحية أو لنسمها «الأعماق» موجودة أيضاً عند البرازيلي «باولو كويلهو»، ولعل روايته الصغيرة التي تصلح مخدة لنوم صغير «على ضفة نهر بييدرا جلست وبكيت» تصلح هي الأخرى للمس بالقلب مثل الشعر الذي يعيش على الأرواح الكبيرة.
في ظلال أيام روحانية خشوعية لنتوسع أكثر في تجربة أخرى مولودة في أفياء وظلال وشموس الهند. إنه «رابندارانت طاغور»، سليل العائلة الأرستقراطية الثرية ولكن الثراء سوف يأخذ به إلى حياة رجل أشبه براهب أو قديس أو رجل دين.
والده، كما تقول سيرته في الموسوعة الحرة، مصلح اجتماعي وديني، ولكن كل ما هو إصلاحي أو اجتماعي أو ديني سيظهر في شعر طاغور على شكل غلالات بيضاء، شيء أشبه بالغيوم أو المطر الرمادي الناعم.
هكذا نقرأ طاغور، إذا أردنا أن نقرأه بوصفه روحاً شعرية عظيمة، ولا ننسى ثراء هذه الشعرية بالرسم، فقد كان طاغور كما يعرف القارئ رساماً، أي أنه شخصية مركبة من جناحين في الفن – الشعر والرسم، ومثل هذا التركيب الإبداعي يفضي بالضرورة إلى تركيب ثقافي أو نفسي ومن تجليات ذلك رفضه رفضاً مطلقاً لكل أشكال التعصب والتمييز والعنصرية، كما رفضه الرفض المطلق للتفرقة بين البشر على أساس عرقي أو ديني أو طائفي أو على أساس اللون.
شفافية شعرية يمكن ببساطة أن تجيّرها إلى شيء من الروحية أو الخشوعية.. قل أخيراً إنها تلك الموسيقا التي تحوّل الإنسان إلى زهرة.. يقول طاغور.. «..عند شروق الشمس.. افتح قلبك وارفعه كزهرة تتفتح وعند الغروب.. إحنِ رأسك، وفي الصمت.. أكمل عبادة اليوم..».
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى