قضايا ودراسات

أزمة قطر والتدخلات الأجنبية

حين أقيم مجلس التعاون كان بين الشعوب ومن أجلها، ولن تضحي الدول المقاطعة بالمجلس من أجل القيادة القطرية
الأزمة الخليجية الحالية بين دول مجلس التعاون
الخليجي والتي نشأت بسبب دعم قطر للتنظيمات المتطرفة في كل مكان، وتهديدها للاستقرار في دول مجلس التعاون، والتي قامت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية بمقاطعة الدوحة على إثرها، هذه الأزمة فتحت شهية المحللين السياسيين والعسكريين حول مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وإمكانية نشوب حرب في المنطقة.
واستند هؤلاء إلى عوامل عديدة منها استغلال إيران للأزمة ووقوفها إلى جانب قطر، واصطفاف تركيا إلى جانب قطر بتعزيز قاعدتها العسكرية برفدها بالمزيد من الجنود، والتصريحات التي أطلقها سياسيو الدول المقاطعة التي فهم بعض المحللين منها أن الخطوة القادمة هي عزل قطر عن محيطها الخليجي.
واستند البعض إلى وقوف الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الدول المقاطعة في تجفيف منابع تمويل الإرهاب ومحاربة تنظيماته المتطرفة وخاصة تنظيم داعش والنصرة والقاعدة، إضافة إلى «عاصفة الحزم» التي أطلقها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على الحوثيين بصفتهم وكلاء إيران في المنطقة، كسابقة تدل على أن السعودية تميل إلى الحزم، ولن تستثني قطر.
تخوّف المحللين السياسيين من اندلاع حرب في منطقة الخليج العربي لامتلاكها أحدث الأسلحة خاصة السعودية والإمارات، وهذا هو التخوف الأكبر من تداعيات الحرب كون المنطقة تعوم على بحيرات من النفط والغاز التي إذا ما تعرضت للقصف فإنها ستؤدي إلى كوارث بيئية واجتماعية وخسارات ضخمة لدى الأطراف، إذا طالت الحرب ولم يتم حسمها بسرعة فائقة. التداعيات الأخرى تتعلق بنسبة المواد الغذائية التي تستوردها المنطقة من الخارج، وإمكانية حدوث هجرات معاكسة تؤدي إلى فوضى عارمة في حركة الملاحة البرية والجوية، والبعض عرج على وجود ملايين من غير الخليجيين يعيشون ويعملون في المنطقة الذين لا أحد يمكن أن يتصور ماذا سيحل بهم، أو ماذا ستكون ردات أفعالهم.
الأزمة الخليجية حساسة جداً والتعامل معها أيضاً يجب أن يتم بالحساسية ذاتها، ومن المؤكد أن قادة الدول المقاطعة يتعاملون بحكمة من أجل بقاء البيت الخليجي متوحداً ويدركون مخاطر الحل العسكري الذي يخشاه المحللون، ويدركون أيضاً أن شعوب المنطقة ترتبط بوشائج قربى استثنائية، ولهذا، فإنهم سيواصلون الضغط بالوسائل السلمية لجعل قطر تستجيب لمطالبهم أو الوصول إلى طرق لمحاربة الإرهاب الذي يطول الجميع، والذي لن تكون قطر بمنأى عنه إذا ما استفحل، فالمتطرفون والإرهابيون لا مأمن لهم، والإخوان المسلمون الذين يأوونهم ويدعمونهم سينقلبون عليهم بين ليلة وضحاها في سبيل تنفيذ مخططاتهم المدعومة بقوى تهدف إلى خلق الاضطراب في المنطقة ووقف التنمية المنجزة وإعاقة برامج التطور والتقدم.
إن العالم ينتظر الخطوة العملية التالية ولن تكون حسب اعتقادنا لا طرد قطر من مجلس التعاون ولا القيام بعملية عسكرية، فحين أقيم المجلس كان بين الشعوب ومن أجلها، ولن تضحي الدول المقاطعة بالمجلس من أجل القيادة القطرية، إذ قد تأتي قيادة جديدة تحارب الإرهاب وتنضم للجهود ذات الصلة، وكذلك لن تكون الخطوة التالية الخيار العسكري، فهذا الخيار معقد جداً نظراً للتحالفات الجديدة التي قد تطرأ واستغلال بعض الدول لتوسيع نفوذها في المنطقة وتحقيق أهدافها في الحصول على خيرات دول المنطقة.
ويبقى الموقف الأمريكي الذي لا بد أن يكون صريحاً وواضحاً من الأزمة، وأن لا يلعب على التناقضات ليحقق أرباحاً مادية وعقوداً اقتصادية، ولا بد أن يواجه قطر بصراحة كما واجهها دبلوماسياً قبل نشوب الأزمة، وهددها سياسيون أصحاب نفوذ في أمريكا بين الإبقاء على قاعدة العديد العسكرية وبين استمرار قطر في اللعب على الحبال كافة، وفي تقديرنا يستطيع الجانب الأمريكي أن يقوم بدور أقوى وأكثر أهمية لحل الأزمة بما يحقق المحافظة على استقرار المنطقة ومصالح الشعوب.

د.عبدالله السويجي
suwaiji@emirates.net.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى