قضايا ودراسات

أساتذة سلامة موسى

د. حسن مدن

طالما شدّتني اللغة السلسة لسلامة موسى، الجامعة بين سهولة التعبير وعمق المحتوى، وهي ميزة مكنت لكتاباته التأثير المعرفي الواسع في عصره، ولا يزال لها الأثر نفسه حتى اليوم.
سلامة موسى هو، في تقديري على الأقل، من أهم كتاب المقالة الصحفية في تاريخ الأدب والصحافة العربيين، وهو أغنى أدب المقالة بمساهماته الغنية، التي نجدها بين دفتي كل كتاب تركه من بعده، وهو، بصفته هذه، قال مرة إن «الصحفي الممتاز هو الذي يكون قد وصل إلى الصحافة بعد أن انصهر في بوتقة الآداب والعلوم والفنون»، لأن ذلك يجعل منه، أي من الصحفي، على معرفة وتقدير لتولستوي وغوته، ويمكنه من أن يفكر بعقل فولتير حيث يتحدث عن قانون المطبوعات في مصر، آنذاك، في كلمات موجزة: «الصحفي الممتاز هو الفيلسوف الأديب العالم الفنان».
ولأن الرجل عاش طويلاً في المملكة المتحدة، وصادق برنارد شو، وتأثر كثيراً بكتاباته وغيره من المؤلفين الأجانب، كنت أحسب أنه اكتسب منهج وأسلوب كتابته، من ثقافته الأجنبية، لكني عثرت في أحد مؤلفاته ما بدّد هذا الانطباع لدي، وأرشدني إلى جذور ما ميزّ أسلوب كتابته، حيث أشار إلى تأثره بكتاب عرب سابقين له.
ولا يندهش من يعرف فكر سلامة موسى ومنهجه، أن يكون في مقدمة هؤلاء الكتاب ثلاثة من أبرز كتاب التنوير العرب هم شبلي شميل وأنطون فرح والدكتور يعقوب صروف محرر مجلة المقتطف. ولهذا الأخير بالذات يعزو موسى النزعة العلمية التي لازمته طوال حياته و«الأسلوب التلغرافي الذي يكتب به والذي يظن الكثيرون أنه من اختراعي»، فقد كان صروف لا يعرف التزاويق التي كانت تطبع أسلوب الكتاب في مصر وغيرها إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى.
وعن شبلي شميل يقول موسى: «إنه كبير الذكاء محدود المعارف»، إذ كان يعتمد على الحجة المنطقية أكثر مما يعتمد على البيّنة العلمية، ولكن كان له بجرأته وذكائه شخصية فذة لها قوة الإيحاء والتوجيه في نفس سلامة موسى الشاب الذي لم يكد يومها يخرج من طور الصبا.
مجلة الجامعة قادت سلامة موسى إلى فرح انطون الذي ضاق باستبداد العثمانيين في بلده لبنان، فقصد مصر باحثاً عن فسحة حرية للتعبير، ففتح لموسى، حسب وصفه، «دنيا جديدة من الأدب الاوروبي تناقض ما تعلمنا من أدب عربي الذي كان يومها أدب السلطة والتقاليد والعقائد، فيما كان الأدب الفرنسي الذي نقله أنطون هو أدب الثورة والتمرد، أدب العقل الذي يحس والقلب الذي يعقل».
كان فرح أنطون واعياً لما يفعل، فمثل سلامة موسى خرج من عباءته مفكرون كبار أناروا دروب التنوير.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى