قضايا ودراسات

أفعى الإرهاب في الفلبين

أنباء الهجوم الذي يشنه الجيش الفلبيني لتحرير مدينة «ماراوي» جنوبي البلاد، من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي، حدث يستدعي الانتباه والتوقف، كونه تطوراً خطراً في إقليم مرشح منذ فترة ليكون الساحة المقبلة لنشاط التنظيمات الإرهابية بعد طردها من الشرق الأوسط.
المنطقة التي تشهد هذا التوتر تعيش منذ عقود نزاعاً مسلحاً بين الجيش الفلبيني وجماعة «أبوسياف» المتشددة، وهي جماعة رديفة لتنظيم «القاعدة» الإرهابي، وتورطت معه في الكثير من العمليات الإجرامية التي ضربت إندونيسيا والفلبين والهند وباكستان. ويقول آخر التقارير إن جماعة «أبوسياف» تعمل على استقطاب رموز الإرهاب العالمي واستدعت فعلاً متطرفين من جنسيات عربية وشرق أوسطية كانوا إلى وقت قريب من أباطرة الإرهاب والجريمة في سوريا والعراق. وسبق هذا التحرك إفادة تقارير استخباراتية غربية بأن تنظيم «داعش» بدأ يهاجر بفكره المتطرف ومقاتليه إلى جنوب شرقي آسيا، وبدت الفلبين وجهته، في ضوء إعلان التنظيمات المتطرفة هناك اعتزامها إقامة «دولة إسلامية مستقلة» على جزيرة مينداناو، ثاني أكبر جزر الفلبين، وتشكل ثلت مساحتها ويقطنهما نحو 21 مليون نسمة. ومن الواضح أن هذا المخطط أثار فزع الفلبين ودول المنطقة، فالسماح بهذا الخطر وعدم الاستعداد الجيد لقطع رأسه، سيؤدي إلى عواقب وخيمة، خصوصاً عند استذكار الهواجس الصينية من وجود متطرفين من «الإيغور» قاتلوا في سوريا ومخطط لهم أن يعودوا لاحقاً بشرورهم إلى الصين ليستكملوا مخطط التخريب والتدمير.
الوضع في جنوب شرقي آسيا مختلف عن الشرق الأوسط، فإذا كان الوضع هنا يتسم بتواطؤ البعض مع الإرهاب وادعاء محاربته، فهناك الأمر مختلف، فالدول المجاورة باتت ترى في التهديد قائماً وعملية مواجهته مفروضة على الجميع، على الرغم من أن انتشار «داعش» في جزيرة مينداناو ليس خطراً كبيراً ولن يسقط الدولة الفلبينية. وبالمقاييس العسكرية والأمنية فبإمكان الفلبين وحلفائها الإقليميين سحق هذه الأفعى وتأديب من يخطط لإطلاقها في تلك المنطقة، وهو ما أشار إليه رئيس الفلبين رودريجو دوتيرتي، حين حذر منذ فترة من أن المتطرفين يخططون لتحويل مناطق في جنوبي بلاده إلى بؤرة لتنظيم «داعش» بعد هزيمته في سوريا والعراق. وفي الأيام القليلة الماضية حصل في مدينة «ماراوي» ما حصل قبل ثلاث سنوات في الموصل والرقة ودير الزور، فقد نجحت مجموعات مسلحة تضم مئات الأفراد من فلبينيين وعرب وباكستانيين وشيشانيين وإندونيسيين وماليزيين من احتلال المدينة المأهولة بنحو 200 ألف نسمة والتجول في شوارعها بالأسلحة والأعلام الداعشية السوداء، بعد إحراق مبانٍ ومقرات حكومية، معلنين إقامة أول «دولة إسلامية» في آسيا، وهو ما يتوافق بصورة غريبة مع ما تم التحذير منه قبل ذلك.
في ظل حالة الطوارئ التي فرضتها السلطات، حاصر الجيش الفلبيني المدينة وبدأ عملية واسعة مكنته من تصفية نحو نصف المهاجمين، في الوقت الذي ثار فيه لغط بين مانيلا وواشنطن حول مشاركة القوات الأمريكية في العملية، لكن المؤكد أن الرد العسكري كان حاسماً ومدعوماً من جميع الأطراف، فإذا عزم تنظيم «داعش» على التمدد في شرقي آسيا، فإن الرد الذي ينتظره من دول تلك المنطقة قد يكون هو الجنون بعينه والضربة القاضية على شرور الإرهاب وتنظيماته.

مفتاح شعيب
chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى