قضايا ودراسات

ألقِ بأحزانك

شيماء المرزوقي

دون شك أن كلّ واحدٍ منا مرت به محنة أو حدث، سبّب له الحزن، وتختلف درجات هذا الحزن حسب ذلك الحدث والسبب، فهناك من تطول به مرارة الحزن لتبقى أشهُراً والبعض لأيام، ولكن هناك من يتلبسه الحزن أعواماً عديدة، وأيضاً تختلف روح ونفسية كل واحدٍ منّا حول قوته في صدّ أمواج الحزن أو كيفية التعامل معه، بيننا من يملك إرادة أقوى، وهناك من هو شفاف حساس يقع فريسة لآلام الحزن، وتمر به الكآبة والمواجع وتستمر لتصبح مرضاً مرافقاً له.
لكن أيضاً، سبب هذا الحزن يختلف حجمه ووقعه، هناك من يخفق في تجاوز مرحلة دراسية وهناك من يفقد أمه أو أباه، فهل يمكن معادلة السببين في الوقع والأثر؟، بطبيعة الحال لا يمكن، فهناك أحداث تكون مدوية ومؤلمة بكل ما تعني الكلمة ولا فكاك من إطباق حالة الحزن من كل جانب، وهناك حالات يكون فيها مجال ومخرج كوميض، مثل الذي يشعر بالحزن لمعاناة ابنه أو أي عزيز على قلبه بسبب حالة مرضية، فإنه رغم حزنه إلاّ أنه لديه أمل بالشفاء.. رغم كل مصاعب ومصائب الحياة، فإنه لا فكاك لنا من تلقيها والصبر عليها، والعمل على تجاوزها، ولا بأس ببعض الحزن، ولكن دون أن يسيطر على وقتنا وتفكيرنا ويشلّ حركتنا ويخرجنا من الوقت، لأن هذه الحالة لا فائدة منها ولا يرجى منها أي شيء.
يقال بأن الروائي العالمي الشهير فيكتور هيجو، كان يجلس كل يوم على منحدر صخري في جزر القنال بمدينة جيرسي، خلال فترة النفي والاضطهاد الذي تعرض له من بلاده فرنسا، وكان وهو يشاهد غروب الشمس، يقوم بحمل بعض من الأحجار منها الكبيرة وأخرى صغيرة وبعد جمعها، يقوم بإلقائها في الماء واحدة تلو الأخرى، كان هذا الفعل يدهش الأطفال الذين كانوا يلعبون بالقرب منه، وهم يشاهدونه يقوم بإلقاء الحجارة في البحر، عندها تقدمت منه فتاة صغيرة، وقالت له: لماذا تأتي إلى هنا لتلقي بهذه الحجارة؟ صمت هذا المؤلف الكبير لبعض الوقت، ثم ابتسم وهو ينظر نحوها وقال: ليست حجارة يا صغيرتي، أنا ألقي بأحزاني في البحر.
تماماً، نحن نحتاج بين وقت وآخر للتوقف أمام ضفة البحر، وأن نقوم بإخراج الحجارة من داخل أرواحنا التي هي عبارة عن أحزان دفينة ومستمرة، وأن نلقيها، وأن نعود للانطلاق في رحلة الحياة بتفاؤل وصبر وحكمة.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى