مقالات عامة

أوهام الثراء

أيمن بدر كريم

– يُولد وفي فمه ملعقةٌ من ذهب، ويتربّى في عائلة غنيّة ولها عَلاقات، وينشأ في ظروف معيشيّة مُواتية، ويستغلّ نفوذ معارفه وأقربائه، ثمّ يتشدّق بالعصامية والمُعاناة، ويقول: «أنا بدأت من الصفر»!. يا إلهي، حتّى الصّفر الذي بحوزة الفقراء، يريد أن يستحوذَ عليه بعض الأغنياء!.

– عموما يا صاحبي: «الصّفر» الذي «تسلّق» به أحد الأغنياء سلّم نجاحه، هو بمثابة «مليون» بالنسبة لك! هذا لا يعني أنه لا يمكنك أن تكون صاحب ملايين مثله.. لكنّ الصورة التي يعطيها لك عن الثراء ليست كاملة، وغير دقيقة، وأحياناً.. كاذبة!.

– لكي أكون واضحاً، لا عيبَ إطلاقاً في أن يكون الشخص ناجحاً نتيجة عُزوةٍ كبيرة، ودعمِ أموال وفيرة، وظروفٍ اجتماعية سانحة لم تتوافر لغيره، بارك الله له.. العيب هو أن يحاول إخفاء كلّ تلك العوامل المُهمة في نجاحه، ويُرجعه إلى عصاميّته وجهده الشخصي ومواهبه الفذّة، فحسب.

– العمل (16) ساعة يومياً لا يجعلك غنيّاً.. المثابرةُ والجهد وحدهما لا يجعلانك ناجحاً.. الذكاء وحده لا ينفعك، لا بد من أجل ذلك أن تكون واقعياً ومطّلعاً، ولديك عوامل نفسيةٍ وعائليةٍ واقتصاديةٍ واجتماعية، ثم تساعدك الفُرص السانحة.

– ينبغي على بعض الوجهاء والمتنفّذين والأغنياء، أن يشكروا الظّروف الوراثية والحُظوظ الاجتماعية التي أفرزتهم ودعمتهم، فمشاركتُهم الشّخصية في تحقيق نجاحاتهم ليست سوى مشاركة متواضعة جدّاً، إنّهم يُنظِّرون على غيرهم بمثاليّات عالية، وهم أنفسُهم يتبعون الواقعيّة العمليّة الواطئة!.

– إنّهم يركّزون على النوادر ممّن نجحوا وبرزوا وأبدعوا، على سبيل التحفيز والقدوة، لكنّهم يتجاهلون قصص ملايين البشر ممن عانوا واجتهدوا ولم تحالفهم الظروف، ووقعوا ضحيةَ لظلمٍ ما، أو فساد أو مُحاباة، ولم تساعدهم الحظوظ المواتية.. وهم الأغلبية!.

– بعضُهم يلجأ لأسلوبٍ قبيح، بتحميلِ أسباب الفشل على الفاشلين أنفسِهم، وربطِ فقر الشخص بانخفاضِ مستواه العقلي، وضعفِ مثابرته وكفاءته، مُتجاهلاً في الوقت نفسه منظومةَ العدالة الاجتماعية وتعادلَ الفرص، وارتباطَ الفقر والفشل بعوامل اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ مهمّة أخرى.

– يقول (دوستويفسكي) في روايته الشهيرة «الفقراء»: «يجب أن أقول أيضًا إنّ الأغنياء لا يحبون أبدًا أن يشكوا الفقراء حظّهم جهارًا. ويظهر أنّ هذا يُؤذيهم ويُزعجهم. والبؤس مزعجٌ دائمًا على كلّ حال. كأنّ أنّات الفقراء تُقلق نوم الأغنياء».

نقلاً عن “المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى