قضايا ودراسات

أين الشهود؟

خيري منصور
ينسب إلى الجنرال ديجول أنه قال في حضرة الشاعر بول ايلوار صاحب قصيدة «الحرية» الشهيرة التي أصبح توزيعها من خلال الطائرات في ذكرى تحرر فرنسا طقساً شبه مقدس.. «إن أوروبا لو كان لها عشرة أبناء من طراز ايلوار لما فقدت في حربين عالميتين عشرات الملايين من الرجال والنساء والأطفال»!
وكان ذلك بمثابة اعتراف من ديجول بالدور الذي يناط بالمثقفين في الأزمنة الصعبة، ولا شك أن ديجول كان على دراية بما قاله سلفه نابليون بونابرت وهو يصغي إلى كلمات سانت بيف، وهو أن السيف ليس سوى نصف الانتصار أما نصفه الآخر فهو الكلمة بامتياز.
إنها جدلية الفعل والكلمة على مدى التاريخ الإنساني، لهذا قد يأتي من العرب القادمين من يعيد سؤال بروتولد بريخت وهو، أين كان سادة الكلام حين سالت الدماء في الشوارع، وثمة دماء عربية غزيرة سالت في الشوارع، لكن في زمن أعجف شح فيه الشهود رغم وفرة الشهداء.
في خمسينات القرن الماضي لم يكن عدد الجامعات والصحف والفضائيات في عالمنا العربي واحداً بالألف مما هو الآن، لكن الشعر كان في ذروة ازدهاره، فقد حارب مع الجزائريين في معركة الاستقلال، وكان مع المصريين في العدوان الثلاثي شريكاً في الخنادق، فما الذي جرى لأمة كان ديوانها هو الأبهى وأبجديتها هي الأوفر حظاً بين اللغات؟ ولكي لا نستهين بالكلمة التي كانت منذ البدء وستبقى حتى الأبد، نذكر أن أعداء العرب حسدوهم على شعرائهم، وكان آخر هؤلاء شارون الذي قال بالحرف الواحد إنه يحسد الفلسطينيين على شيء واحد فقط هو محمود درويش!
أما مناحيم بيجن فقد وقف أمام الكنيست يقرأ الترجمة العبرية لقصيدة محمود «عابرون في كلام عابر» والتي تنتهي بمخاطبة الغزاة.
«خذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا»!
كم من الدماء العربية سالت خلال هذه الآونة التي لم يعثر لها المؤرخون حتى الآن على اسم يليق بها؟ وكم من النزيف الصامت فأين الشهود؟Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى