قضايا ودراسات

إثبات النسب بالقيافة

لم يكن في الماضي أمام الرجل لإثبات نسب ابنه وإلحاقه بنفسه إلا القيافة، فالقائف كان ينظر إلى تشابه الأعضاء بين الأب وابنه على سبيل المثال، فمتى وجد هذه القدم تشبه تلك القدم، حكم على الولد بأنه ابنه.
– فالقيافة دليل معتبر، ويمكن أن يبنى عليه الحكم الشرعي، لكن مع ذلك فإن إلحاق النسب بالقيافة يعدّ عملاً بالظن وليس باليقين.
– والقيافة في أصلها اللغوي هي مصدر الفعل قاف قيافة أي تتبع الأثر والشبه، والقيافة في اصطلاح الفقهاء تعطي المفهوم نفسه، فالقائف يعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه.
– وهي من حيث حكمها الشرعي وإن قلنا بأنها دليل معتبر، ويمكن أن يبنى عليه الحكم الشرعي، إلا أنها موضع خلاف بين الفقهاء، فبعضهم يعدها دليلاً لإثبات النسب، وبعض آخر لا يرى ذلك.
– يرى جمهور الفقهاء جواز كونها دليلاً شرعياً لإثبات النسب، ويحتجون بما يلي:
١- حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: «ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما، إن بعض هذه الأقدام من بعض» (رواه البخاري).
ومعروف أن أسامة كان أسود شديد السواد مثل القار، وكان زيد أبيض مثل القطن، فالرسول بهذا الحديث يقر بنسب أسامة من زيد.
٢- حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا غلب ماء الرجل كان الشبه للأعمام، وإذا غلب ماء المرأة كان الشبه للأخوال» (رواه الماوردي في الحاوي الكبير ج١٧ ص ٣٨٣، ورواه ابن عبد البر في التمهيد).
٣- حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكرته، فقال له الرسول: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها أورق؟ قال: نعم.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنى هو؟ قال: لعله يا رسول الله أن يكون نزعه عرق فقال الرسول: وهذا لعله أن يكون نزعه عرق له(رواه البخاري). واستدل الجمهور بأشياء أخرى كذلك.
– أما المانعون وعلى رأسهم الإمام أبو حنيفة فقالوا بعدم جواز إثبات النسب بالقيافة، واستدلوا بما يلي:
١- قال تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم» (الآية ٣٦ من سورة الإسراء). فقول القائف رجم بالغيب وحزر وتخمين، فكما لا يجوز الاعتماد على المنجم وقارئ الرمل فإنه لا يجوز الاعتماد على القائف.
٢- قال تعالى «أفحكم الجاهلية يبغون..» (الآية ٥٠ من سورة المائدة) والقيافة من أحكام الجاهلية، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم سرّ بقول القائف المدلجي لا يعني جواز الاحتكام إلى القائف لكونه حقاً بل لقيام الحجة على أهل الجاهلية بما كانوا يعتقدونه.
أو كما يقول الكاساني «لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة رغم أنهم يعتقدون في القيافة، فلما قال القائف ذلك فكأنه أقام الحجة عليهم بما يعتقدون فسرّ الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك» (انظر بدائع الصنائع ج٦ ص ٢٤٢).
واستدلوا أيضاً بأشياء أخرى.
– نعم.. ويقول القرافي من المالكية: «القيافة من باب الاجتهاد يعتمد عليه كالتقويم في المتلفات ونفقات الزوجات وخرص الثمار في الزكوات وتحرير جهة الكعبة في الصلوات وجزاء الصيد، وكل ذلك تخمين وتقريب، وهذا يمكن تعلمه بالتجربة والممارسة (انظر الفروق ج٤ ص ٢٢٢).
– على أية حال فإذا قلنا بأن القيافة علم وليست بتخمين فإن بعض العلماء ذكر صفة القيافة بشكل مفصل، يقول الماوردي: «فالمعتبر فيها التشابه من أربعة أوجه: أحدها تخطيط الأعضاء وأشكال الصورة، والثاني في الألوان والشعور والثالث في الحركات والأفعال، والرابع في الكلام والصوت والحدة والأناة، فلئن جاز أن تختلف هذه الأربعة في الآباء والأبناء في الظاهر الجلي، فلا بد أن يكون بينهما في الباطن تشابه خفي». (انظر الحاوي الكبير للماوردي ج ١٧ ص ٣٨٧).
د. عارف الشيخOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى