قضايا ودراسات

«إسرائيل» تطمس مكانة اللغة العربية

كاميليا سليمان

على طريق التطهير العرقي المستمرّ للفلسطينيين في فلسطين 1948، وفي مسيرة التهويد وطمس الهوية العربية، خطت «إسرائيل» الخطوة الأولى لإلغاء صفة اللغة الرسمية، عن اللغة العربية.
في مايو/ أيار، أقرّت الهيئة التشريعية «الإسرائيلية» المعروفة باسم الكنيست، مشروع قانون الدولة القومية في جولته الأولى، الذي يعيد تعريف كيف ستكون «إسرائيل» دولة يهودية وديمقراطية. وسيكون مشروع القانون بمثابة دستور على نحوٍ ما، لأن «إسرائيل» ليس لديها دستور. كما سيحدد أيضاً بصورة رسمية علاقة الدولة بالأقلية العربية الفلسطينية فيها.
وإذا أصبح مشروع القانون هذا قانوناً، فسوف يرسّخ اللغة العبرية باعتبارها اللغة القومية ل«إسرائيل»، وسوف يتخلّص في الواقع من اللغة العربية كلغة رسمية.
ويخشى البعض من أن القيام بذلك، سوف يهدد أيضاً بإنكار تاريخ العرب في الدولة.
واليوم، نحو 20% من المواطنين «الإسرائيليين» هم عرب فلسطينيون، بقوا في «إسرائيل» بعد إنشائها عام 1948. وكما أناقش في كتابي الذي يحمل عنوان «سياسات اللغة العربية في «إسرائيل»، بقيت اللغة العربية لغة رسمية في «إسرائيل» منذ عام 1922، عندما تمّ إقرار قانون أثناء الحكم البريطاني (1918-1947). وبعد إنشاء «إسرائيل» ظلّ هذا القانون سارياً.
ومع ذلك، استخدمت اللغة العبرية على نحو أكثر شيوعاً بين الجمهور ومن قِبل الدولة. وأصبح المواطنون الفلسطينيون في «إسرائيل» ثنائِيّي اللغة بصورة متزايدة. وكما كتب المؤرخ إيلان بابيه، كثيراًَ ما يُعزى التطهير العرقي الذي مورس على الفلسطينيين، إلى عمل واحد من الأعمال التي انطوى عليها خلق «إسرائيل» عام 1948، وهو تشتيت الفلسطينيين في دول عدّة. ولكنه يقول، إن التطهير العرقي لا يزال مستمراً. وإزالة العربية كلغة رسمية، سيكون مجرد خطوة أخرى على هذا الطريق الطويل.
ويدّعي أكاديميون مثل يهودا شينهاف، أن بوتقة الانصهار «الإسرائيلية» اقتضت تحوّل اللغة الأم لجميع اليهود الذين يعيشون في البلاد إلى العبرية. ويتضح ذلك من إلقاء نظرة على تضاؤل عدد المتحدثين بالعربية بين اليهود الشرقيين وذرّيتهم، الذين هاجروا من دول شرق أوسطية عند إنشاء «إسرائيل».
ويُذكرنا المؤرخ إريك هوبسباوم، بأن نموذج القرن التاسع عشر للدولة القومية الأوروبية، يفترض أن الأمة موحدة بلغة واحدة. ولا يتوانى أيضاً عن الإشارة إلى الاستبعاد والتطهير العرقي اللذين جلبهما هذا النموذج للقرن العشرين: على سبيل المثال، الهولوكوست في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية. ولا تزال كلماته صحيحة اليوم.
وإذا تمّ إقرار القانون، فسوف تنجح «إسرائيل» في محاولة أخرى لحرمان الفلسطينيين من الوجود في الدولة. إن العربية متداولة في ذلك الموقع الجغرافي منذ القرن السابع على الأقل، وتحمل هذه اللغة مكوّنات من الثقافات المتنوعة التي ساهمت فيها: الإغريقية، والفارسية والفرعونية، والكنعانية، والعبرية والآرامية والعثمانية الإسلامية. واللغة المتداولة على ألسنة المواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل» تحمل آثاراً من جميع الشعوب التي استوطنت الأرض منذ العصور الغابرة.
وعلى سبيل المثال، تشبه بعض الخصائص الإعرابية للعربية الفلسطينية اللغة الآرامية، التي كانت متداولة في الحديث قبل ألفيْ عام، من قِبل سكان فلسطين وسوريا الكبرى. كما تستعير ألفاظاً من لغات مثل الآرامية والتركية.
إن التخلّص من اللغة العربية كلغة رسمية في «إسرائيل»، ينذر بانتهاكات للحقوق اللغوية- أي قدرة البشر على اختيار اللغة التي يستعملونها. يقول عالم اللغويات توف شوتناب- كانجاس، إن الحقوق اللغوية، هي من حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان حقوق وطنية وحقوق اجتماعية.
وإقرار هذا القانون يمكن أن يزيد حلّ الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» صعوبة.

أستاذة مساعدة في الدراسات العربية واللغويات في جامعة ولاية ميشيجان. موقع: «ذي كنفرسيشن»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى