قضايا ودراسات

إمكانية اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بجرائم الإرهاب

د. صديقي سامية
تعتبر ظاهرة الإرهاب من أخطر الجرائم الموجهة ضد النظام الدولي العام على أساس أنها تهدد المصالح الحيوية في المجتمع الدولي، وتشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان باعتباره ظاهرة إجرامية بلا وطن ولا هوية، ويأخذ الإرهاب صوراً عديدة، فمن اغتيال المسؤولين والاعتداء على الدبلوماسيين إلى خطف الأجانب والأفراد الذين لا يتمتعون بحماية دولية، فضلاً عن عمليات خطف الطائرات بالجو وتدمير المنشآت والسفارات والمطارات في الأرض، ووضع المتفجرات في الأماكن العامة والمطارات، وقتل وخطف الأبرياء.
الأفعال الإرهابية تقوم على فكر إجرامي منظم في اختيار الضحايا المستهدفين نظراً لجسامتها وخطورتها التي تفوق حجم الجرائم العادية لتحقيق الهدف العام للإرهاب المتمثل في إحداث اضطراب ورعب في أوساط الشعوب ومحاولة إضعاف كيان الدول، وزرع التوتر في العلاقات بين الدول.
تختص المحكمة الجنائية الدولية وفقاً للمادة 50 من نظامها الأساسي بالجرائم الدولية التي وصفت على أنها أكثر خطورة، والتي هي موضع اهتمام دولي وتشمل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة، ورغم أن الجرائم الإرهابية تعتبر من أخطر الجرائم الدولية التي تهدد المجتمع الدولي، إلّا أنها لا تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بسبب عدم إيجاد تعريف جامع مانع بين الدول للجريمة على أساس أن كل دولة تسعى إلى تعريف الإرهاب حسب مصالحها الخاصة ورؤيتها الذاتية، وما يمكن الإشارة إليه أن مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعروض على المؤتمر الدبلوماسي في اللجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، قد تضمن بعض الأفعال التي تشكل جريمة إرهابية، والتي تشمل الفعال التالية:
1- القيام بأعمال عنف أو تنظيمها أو الإشراف عليها أو الأمر بها أو تيسيرها أو تمويلها أو تشجيعها أو التغاضي عنها عندما تكون هذه الأعمال موجهة ضد دولة أخرى، وتستهدف الأشخاص أو الممتلكات، وتكون ذات طبيعة كافية بإشاعة الإرهاب أو الخوف في نفوس الشخصيات العامة وجماعات من الأشخاص أو الجمهور العادي أو السكان لأي اعتبارات وأغراض ذات طبيعة سياسية أو فلسفية أو إيديولوجية أو عنصرية أو إثنية أو دينية أو أي طبيعة أخرى قد يتذرع بها لتبريرها
2- الجرائم التي تشكل جرائم إرهابية في القانون الدولي بموجب الاتفاقيات الآتية:
– اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات لسنة 1970.
– الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن لسنة 1979.
– اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية لسنة 1988.
– بروتوكول قمع الأعمال غير المشروعة الموجه ضد سلامة المنصات الثابتة القائمة على الجرف القاري لسنة 1988.
3- جريمة تنطوي على استخدام الأسلحة النارية والمتفجرات والمواد الخطرة متى استخدمت كوسيلة لارتكاب العنف من دون تمييز ما يتسبب في وفاة أشخاص أو جماعات من الأشخاص أو السكان أو في إحداث إصابات بدنية خطرة لهم أو إلحاق ضرر خطر بالممتلكات.
يستشف من هذا التعريف أنه تم الاعتماد على أسلوب التعريف المختلط الذي يعطي في الأول تعريفاً عاماً للإرهاب، ثم يذكر بعض الصور التي تشكل جريمة إرهابية على سبيل المثال، وليس الحصر، كما أن هذا التعريف للإرهاب الوارد في مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يقوم على جملة من العناصر أهمها:
– إن العمل الإرهابي كقاعدة عامة من الأفعال العنيفة، ويستوي أن يكون هذا الأخير مادياً أو معنوياً.
– إن أفعال العنف التي تشكل جرائم الإرهاب الدولي يجب أن تكون عابرة لحدود الدول.
– الهدف من ارتكاب الأعمال الإرهابية إثارة جو من الخوف أو عدم الأمان في نفوس الشخصيات أو الجمهور العادي أو للسكان.
– اختلاف الأغراض في ارتكاب الأعمال الإرهابية قد تكون ذات طبيعة سياسية أو فلسفية أو إيديولوجية أو دينية أو أي طبيعة أخرى.
وخلال المناقشات التي دارت في الفترة الممتدة ما بين 1996 وسنة 1998 من قبل اللجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية كان هناك اتجاه مؤيد لإدراج جرائم الإرهاب بحجة أن هذه الجرائم ذات جسامة بالغة لأنها تتسبب في معاناة الإنسانية و إلحاق الضرر بالممتلكات، كما أنها في تزايد مستمر لم يسبق له مثيل، أما الاتجاه المعارض الذي يرى استبعاد الجرائم الإرهابية من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ففي نظره أن هذه الجرائم لا تعتبر جزءا من القانون الدولي العرفي كما هو الحال بالنسبة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، واختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم الإرهابية سوف يثقل كاهلها فقط، وقد يتسبب في إفشال مهمتها في تحقيق الهدف المنشود الذي وجدت لأجله، كما يرى هذا الاتجاه أن عدم وجود تعريف محدد للإرهاب، ومحاولة صياغة ذلك التعريف سوف يؤخر إنشاء المحكمة وباعتبار أن جرائم الإرهاب تشبه الجرائم العادية المنصوص عليها في التشريعات الوطنية من الأحسن ترك الاختصاص في النظر فيها للمحاكم الوطنية في إطار الآليات التقليدية للتعاون الدولي، نظراً لاختلاف وجهات النظر حول إدراج جريمة الإرهاب في نظام المحكمة الجنائية الدولية. لذا قرر المشاركون استبعاد جرائم الإرهاب من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة خوفاً من فشل المؤتمر خصوصاً وأن النقاشات حول جريمة الإرهاب كان ذو طابع سياسي.
إن عدم وجود تعريف شامل ومتفق عليه للإرهاب الدولي يرجع إلى تباين مواقف الدول حول تعريف الإرهاب لاسيما أن معظم الدول لا تفرق بين الإرهاب من جهة وحق المقاومة المسلحة المشروعة من أجل التحرر، وحق تقرير المصير من جهة أخرى، وهذا ما نجده عند الولايات المتحدة التي تؤيدها في ذلك عديد من الدول من بينها «إسرائيل» التي تعتبر الحركات الوطنية التحررية في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان في حين أن معظم الدول العربية كالجزائر ومصر وتونس ترى أن ما تقوم به حركات التحرير الوطني والشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو التمييز العنصري أو غيرها من أشكال السيطرة الأجنبية من أعمال العنف المشروعة لأنها تمارس حقها في التحرر وتقرير المصير والدفاع عن النفس وبالتالي لا ينبغي أن يطلق عليها وصف إرهاب.
إن الآلية التي يمكن بموجبها إدراج جريمة الإرهاب في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تتمثل في التعديلات التي يمكن أن يشملها نظامها الأساسي من خلال المؤتمرات الاستعراضية التي تعقد لذلك بعد كل سبع سنوات من بدء نفاذ المحكمة الجنائية الدولية وفقاً للمادة 123 من نظام روما الأساسي، وقد انعقد هذا المؤتمر في كمبالا بأوغندا في الفترة ما بين 31 مايو/أيار إلى 11 يونيو/حزيران 2010 ولم يقم بوضع تعريف لجريمة الإرهاب، كما أنه لم يشر إلى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، و لكن هذا لا يمنع من إعادة النظر في هذه المسألة في المؤتمرات المقبلة، وإدخال جريمة الإرهاب في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتجدر الإشارة إلى أن حقيقة استبعاد الجرائم الإرهابية من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يرجع إلى الرفض المطلق من الدول المؤثرة في القرار الدولي لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية خوفاً منها من محاكمة قادتها وجنودها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

* أستاذة جامعية ومحللة
في القانون الدولي والعلاقات الدولية sousouseddik@yahoo.fr


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى