قضايا ودراسات

ابن العلقمي في بيتنا مرّة أخرى

كمال بالهادي

عندما وقع احتلال العراق في التاسع من إبريل /نيسان من العام 2003، كان الحدث جللاً، فسقوط بغداد في ذلك التاريخ، أعاد إلى الأذهان قصّة سقوطها على يد هولاكو قائد المغول في العام 1258، وطبعاً كان لا بدّ من استذكار قصّة الوزير ابن العلقمي الذي تآمر مع هولاكو، من أجل السيطرة على عاصمة الخلافة وطمعاً في توليته خليفة على المسلمين. ولكن قصّة ابن العلقمي تكررت كثيراً، ويبدو أن «الرّبيع العربي»، كان أيضاً من تدبير علاقمة العصر.
تشير الأحداث المتواترة منذ العام 2011، والتي كانت نتيجتها خراباً تاماً لعدة دول عربية، يفوق بعدة مرات خراب بغداد على يد المغول. ويبدو أن علاقمة العصر لا يكتفون بهذا، بل هم في صراع مع الزمن، لإضافة دول عربية أخرى على قائمة الخراب والدّمار. فهناك توجيه للبوصلة نحو مصر التي فيها خير أجناد الأرض، وهناك توجيه للبوصلة مؤخّراً نحو ضرب استقرار منطقة الخليج العربي، التي تحوي أقدس الأماكن، وتمثّل نهضة عمرانية واقتصادية فريدة من نوعها، عبر تاريخ هذه الأمة الطويل.
لماذا تفتعل الأزمات مع دول الخليج من طرف دولة شقيقة، وهي عضو في مجلس التعاون؟ ومن سيستفيد في نهاية هذه الأزمة؟ هل يجب أن يكون مصير كل الدول العربية المتبقية مشابهاً لمصير سوريا والعراق واليمن وليبيا، حتى ترضى «الجزيرة» ومشتقاتها، وتنعم بما حققه «الثّوار» من دمار وخراب؟ هل علينا أن نقبل بهدم البيت العربي على رؤوس الجميع حتى نقتنع أن «الربيع العربي» هو ربيع خراب ودمار، وأنّ مهندسيه ليسوا إلا علاقمة العصر، الذين رغبوا في الزعامة وفي القيادة، ويحق فيهم المثل «كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد»؟ لم يعد الأمر يحتمل السكوت أكثر، فهناك جماعات متطرّفة، وهناك منظمات مدعومة من أطراف ذات شبهات، وهناك دول تدعم هذا الكلّ المتناقض، والهدف واحد، وهو أن يعمّ الخراب جميع البلاد العربية. طبعاً لا يمكن لعربي صادق وغيور أن يكون ضمن هذه اللعبة القذرة، ولا يمكن لعربي مسلم أن يقبل تذبيح المسلمين، وأن يدعم تلك الجماعات تحت اسم «الثورة». ولا يمكن لعربي غيور أن يرى القتل بين المسلمين قائماً ولا يتدخل للصلح ولرأب الصدع ولإيقاف نزف الدماء، إلا إذا كان ذلك «العربي» من طينة ابن العلقمي، فحينها سيصبح كل شيء مشروعاً، وسيقع تجهيز الترسانة الإعلامية الضخمة من أجل تحقيق تلك الأهداف.
يقول العالم الكبير جلال الدين السيوطي «إن ابن العلقمي كاتب التّتر وأطمَعَهم في ملك بغداد». ويبدو أن علاقمة العصر، لا يحتاجون إلى مكاتبة هولاكو العصر، بل إنّهم يمهدّون لحرق الأرض أمامه، حتى لا يكون أمامه أي عائق. ما تفعله «قناة الجزيرة» منذ سنوات ضد الدول العربية، هو تماماً عملية الأرض المحروقة، ولا يمكن القول إن السياسة الإعلامية والتحريرية لهذه القناة منفصلة عن السياسات العامة للدولة التي تنتمي إليها. إنّها مجرّد ذراع إعلامية ظاهرة لسياسات مبطنة نرى نتائجها في الواقع، فإذا لم يكن ما نراه هو سياسة «الأرض المحروقة»، في دول مثل سوريا وليبيا واليمن والعراق، فماذا تكون الأرض المحروقة غير ذلك؟
ما الذي يمكن فعله الآن وقد تبيّن أنّ «علاقمة» العصر، لن يرتدعوا عن تنفيذ مشروعهم التدميري؟ هل علينا انتظار أن تتمدد التنظيمات التخريبية حتى تنال من دولنا، وهي مسنودة بترسانة إعلامية أخطبوطية قادرة على قلب الحقائق وقادرة على تزييف الأحداث للنيل من المعنويات ؟ وهي دأبت على ذلك منذ ما قبل سقوط بغداد.
إن مواصلة الصمت تجاه تلك الأطراف التي مازالت تحرّض ضدّ مصر، وتترصّد أيّ فرصة للنيل من كل العرب، ستعني أنّ هذا التيار المدعوم مالياً وإعلامياً لن يتوقف عن إيذاء الجميع، ولن يتوقف حتى يرى عواصم العرب أرضاً يباباً.
ليس من الحكمة في شيء، أن يظل العرب يتعاملون بذات الآليات، التي جعلتهم شعوباً وقبائل متفرقة من جديد، في حين يتكتّل الجميع ضدهم سواء في تكتلات إقليمية أو في شكل دول باحثة عن امتداد لنفوذها، أو في شكل مؤسسات ذات نفوذ تسعى إلى تسيير الشعوب وفق أجنداتها. ليس علينا لوم إيران أو تركيا، أو حتى الكيان الصهيوني، فكلهم باحثون عن الهيمنة، بل علينا لوم أنفسنا، لأنّنا لم نطهّر البيت من العلاقمة، ونمنا دهراً، ففتح العلاقمة أبواب المدينة ليدخلها الغزاة. أليست دماء العراقيين والسوريين واليمنيين والليبيين والتونسيين، والمصريين التي ذهبت هدراً، وأزهقت الأرواح غدراً، كانت بفعل تلك التنظيمات التي تجد دعماً قويّاً من تلك الجهة التي تعتبرهم ثوّاراً؟
لقد قال السيّاب يوماً ما «ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع..»، ونحن نقول: ما مرّ عام وبلاد العرب ليس فيها دماء تهدر وأرواح تزهق، لأن العلاقمة مازالوا في بيتنا، يكاتبون الأعداء ويخططون لهم، ويقدمون المال والسلاح، ويحبطون عزائم جيوشنا وينالون من المعنويات. ما مر عام والبيت العربي ليس فيه حزن وعويل، لأن ابن العلقمي في بيتنا مرّة أخرى.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى