استئناف الحضارة العربية
يعلمنا التاريخ أن التأسيس لنهوض ثقافي عربي لا يأت من فراغ؛ بل يجب أن يدعم بمبادرات تعمل على ترسيخه في واقع الناس، ولا تبخل عليه بكافة متطلبات التطور والرقي، هنا، نتذكر «بيت الحكمة» في بغداد، وهو أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية، وتعد أثراً خالداً ترجمت، من خلالها، كتب: الطب والهندسة والآداب، وطبعت عصراً شهد ازدهاراً لحركة الترجمة إلى العربية في أوج ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، سواء في الرياضيات أو الفلك والطب والفلسفة اليونانية.
لقد وعى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، هذه الحقيقة، فقدم العديد من المبادرات المهمة، في سعي من سموه لاستئناف الحضارة العربية، وليس آخرها، بطبيعة الحال، تلك المبادرة المهمة بعنوان: «تحدي الترجمة»؛ لإعداد جيل المعرفة العربي؛ ورفع مستوى التحصيل العلمي في مجالي العلوم والرياضيات.
إن التوقف عند الرقم 11 مليون كلمة، فضلاً عن 5000 فيديو تعليمي سنويا ، لهو تحد كبير، وهو معيار يقاس بوزن الذهب؛ لاستعادة تلك الأمجاد العربية الزاخرة بالعلم والمعرفة؛ لتسهم بدورها في استعادة أجواء تلك اللحظة الفاصلة من تاريخنا المشرق.
إن تركيز المبادرة على مجالي العلوم والرياضيات، يعد خطوة مدروسة وفي مكانها الصحيح، فلا ثقافة من دون علوم، ومن دون اهتمام بإعداد جيل المعرفة العربي، ورفع مستوى التحصيل العلمي في هذين المجالين.
تعودنا ان تغلب على مبادرات محمد بن راشد خصيصة الإبداع في شموله وعالميته، ومن يقرأ على سبيل المثال مبادرة «تحدي القراءة العربي»، يستشعر دورها في النهوض الثقافي، وهو الذي سيؤدي بالضرورة إلى تعزيز قيم التسامح والانفتاح الفكري والثقافي، وهو الذي يتسق مع كافة مبادرات سموه، كحزمة مبادرات محمد بن راشد لتعزيز اللغة العربية.
محمد بن راشد استشعرخطورة الأزمة الثقافية التي تعصف بمجتمعاتنا، من خلال عصابات التطرف والهدم، التي استخدمت تكنولوجيا الاتصال لنشر أفكارها الخبيثة، وها هو سموه يوجه بوصلة وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الفضاء الإلكتروني نفسه؛ لتعزيز مشروع ثقافي وعلمي مستنير من خلال مبادرة هي استراتيجية ثقافية علمية ، وتعد الأولى من نوعها في هذا المجال.
سموه يؤكد في أكثر من موقع بأن سلاح العرب، كان وسيبقى المعرفة والعلم والفكر المنفتح، وأن العالم العربي لا يعيش أزمة قراءة ومعرفة، بقدر ما يعيش أزمة حوافز وبيئة إيجابية، وهو بكل تأكيد يرسم خطى الأجيال لمسافة متقدمة على طريق الوعي والنهضة الثقافية الشاملة.
محمد بن راشد يدشن اليوم من خلال مبادرة «تحدي الترجمة» أكبر مشروع معرفي في مجال العلوم، على مستوى الإمارات والعالم العربي.
ابن الديرة
ebn-aldeera@alkhaleej.ae