قضايا ودراسات

استراتيجية الاغتيال الصهيونية

د. فايز رشيد
الصهيونية هي الأكثر بين كل الأيديولوجيات الفاشية شهيةً للقتل واستعمال كلّ الأساليب البشعة في تحقيق أهدافها. هذا ما رسمته قياداتها الأولى ومنظّروها واستراتيجيوها في تعليماتهم، كما في الأسس المعيارية للتعامل مع الآخر لتحقيق الحلم الاستراتيجي بإنشاء دولتها، ومن ثم تطوير هذه الأسس والقوانين في تثبيت هذه الدولة. من أبشع أشكال هذه الأسس إضافة إلى الثوابت الاستراتيجية الفاشية الأخرى اعتُمدت وسيلة اغتيال الأشخاص لمصلحة أهداف مركّبة كثيرة: سياسية وعسكرية واقتصادية وانتقامية وترويعية وفكرية لكل من يخالفها أو يشكك بأضاليلها أو يقف حجر عثرة في تحقيق سياساتها.
الاغتيال اتخّذ وسائل متعددة، القتل بشكل عام، الضغوطات لتحجيم المعني اغتيال السمعة بهدف حرق المعني، وغير ذلك من الأساليب التي تتفنن الصهيونية وكيانها في اختراعها.
لو استعرضنا تاريخ دولة الكيان الصهيوني منذ ما قبل إنشائها، ابتداءً من عشرينات القرن الماضي وصولاً إلى هذه اللحظة نجد أن العصابات الإرهابية الصهيونية (ليحي، إيتسل، الأرجون، الهاجاناه، شتيرين ومنظمات إرهابية أخرى) في فترة الانتداب البريطاني، قامت بتنفيذ آلاف العمليات ضد الفلسطينيين والعرب ومسؤولين آخرين من دول كثيرة، وموظفين دوليين بمن فيهم مسؤولون بريطانيون (من الدولة الحليفة لهم والتي لعبت دوراً كبيراً في إنشاء دولتهم، وساندت مشروعهم بكل الوسائل والطرق) من بين هؤلاء «اللورد موين» الذي اغتيل في القاهرة، والدبلوماسي السويدي فولك برنادوت. كما حاولت قتل المندوب السامي البريطاني في فلسطين. وقالت وثائق بريطانية تم الكشف عنها في العام 2011 إن عصابة «ليحي» خططت في أربعينات القرن الماضي لاغتيال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل. لقد نفذت العصابات الصهيونية آلاف عمليات الاغتيال، ووضعت متفجرات في أماكن فلسطينية عامة مكتظة، الأمر الذي أدّى إلى مقتل المئات من أبناء شعبنا.
بعد إنشاء الدولة الصهيونية كان مفترضاً بقيادتها الحدّ من هذه الأعمال الإرهابية! لكن، ولأنها دولة الإرهاب المنظم، رعت إنشاء «منظمات إرهابية» جديدة مثل: حركة «كاخ» و«غوش إيمونيم» والعشرات غيرهما، بالشكل الذي وصلت فيه هذه العصابات إلى مرحلة تتسابق فيها مع إرهاب الدولة (المعبّر عنه في إرهاب الجيش وكافة أذرعه الأمنية). لذا أصبحت الاغتيالات تراثاً «إسرائيلياً» وسياسة رسمية للدولة المنشأة قسراً، وقد استهدفت قادة فلسطينيين بشكل أساسي.
لقد سبق ونشرت منظمة «بتسيلم – مركز حقوق الإنسان في المناطق المحتلة» تقريراً قالت فيه إن 425 فلسطينياً قتلوا بعمليات الاغتيال بين سبتمبر/أيلول 2000 وآب/ أغسطس 2011، من بينهم 251 فلسطينياً (59.1%) كانوا أهدافاً لعمليات الاغتيال و174 فلسطينياً (40.9%) كانوا مواطنين لا علاقة لهم بأي نشاط، وإنما قتلوا لسبب واحد هو وجودهم بالقرب من موقع عملية الاغتيال. لقد شنّ الكيان الكيان الصهيوني آلاف عمليات (أسماها «انتقامية») الاغتيال ضد مسؤولين وناشطين وكتّاب وصحفيين وكفاءات علمية فلسطينية وعربية، بقيادة كبار مسؤوليها، مثل عملية اغتيال الشهيد غسان كنفاني. أما عملية «ميونيخ» فكانت بقيادة شارون. لقد أطلق جهاز الموساد سلسلة عمليات إرهابية أسماها «غضب الرب» وهي سلسلة من عمليات ضد قياديين في منظمة «أيلول الأسود» اعتبرهم الكيان يتحملون مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن عملية احتجاز رياضيين صهاينة خلال أولمبياد ميونيخ في العام 1972.
لقد اغتال الموساد خلال العامين 1972- 1973 كلاً من وائل عادل زعيتر في روما، والدكتور محمود الهمشري مندوب منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، وحسين أبو الخير في قبرص، وباسل الكبيسي في باريس وسعيد حمامي في أثينا. واغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر، كمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت، وكانت العملية بقيادة إيهود باراك. بعد ذلك اغتال الموساد المثقف الجزائري محمد بودية. وفي كانون الثاني من عام 1979 اغتال علي حسن سلامة. وتتالت الاغتيالات بعد ذلك، ففي عام 1988 اغتالت وحدة كوماندوز بقيادة موشيه يعلون خليل الوزير (أبو جهاد) الرجل الثاني في حركة فتح. وفي تشرين الأول 1995 تم اغتيال رئيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فتحي الشقاقي في مالطا. وبهذه الطريقة جرى اغتيال الشيخ أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، محمود المبحوح، أبو علي مصطفى، أحمد الجعبري، سمير القنطار، العالم يحيى المشد، والعديد من علماء العراق وغيرهم.
رغم كل ذلك، يتشدق الكيان الصهيوني ب «طهارة سلاح جيشه».. أليست هذه مهزلة من أكبر مهازل القدرْ؟

Fayez_Rashid@hotmail.com –

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى