الأزمة في لبنان
صادق ناشر
أحدثت الاستقالة التي أعلنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في وقت سابق من الأسبوع الجاري، مفاجأة من العيار الثقيل، نظراً للوضع الحرج الذي يمر فيه لبنان في الوقت الحاضر، مع ما يفرضه من استحقاقات إقليمية كنتيجة طبيعية للأحداث التي تعيشها المناطق المجاورة للبنان، خاصة سوريا، التي تكاد الحرب تضع أوزارها بعد ست سنوات من القتال.
لم تكن الاستقالة سوى نتيجة طبيعية للاحتقان الداخلي في لبنان، بعدما تزايدت المخاطر التي تتعرّض لها الدولة ومحاولة اختطاف قرارها من قبل أطراف خارجية، وجدت وكلاء لها داخل البلد، لذلك وجدت الحكومة نفسها في كمّاشة الوضع الداخلي المحتقن والتدخلات الخارجية، ولم يكن هناك من مخرج لرئيس الحكومة سوى الاستقالة، ليضع الجميع أمام مهمة إعادة ترتيب البيت اللبناني، والبحث عن مخارج تبعد التأثير الخارجي المباشر على البلد.
ردود الأفعال من قبل القوى السياسية بعد الاستقالة بدت متفاوتة بل ومنقسمة، وهو أمر طبيعي، نظراً لحالة الانقسام الذي يسود لبنان منذ عقود، خاصة أن الاستقالة جاءت بعد صدام سياسي صامت أحياناً وعلني أحياناً أخرى، بين الرموز والتيارات الفاعلة في البلد، بدت معها الحكومة غير قادرة على ممارسة أدائها في ظل هذا الوضع الملغوم، خاصة أن عدداً من الأطراف ارتبط بمشاريع الخارج، وأنصع دليل على ذلك العلاقة التي تربط «حزب الله» بالفلك الإيراني، رغم ما تجده هذه العلاقة من رفض لدى قطاع واسع من اللبنانيين، الذين يرون أن «حزب الله» تحوّل إلى ذراع إيران الذي ينفّذ لها سياساتها في المنطقة.
لذلك كله وجد رئيس الوزراء سعد الحريري نفسه مكبلاً بوضع داخلي وخارجي معقّد، لهذا فُهم من لقاءاته العديدة مع عدد من سفراء الدول الغربية في العاصمة السعودية الرياض، الرغبة في توضيح الأسباب التي دفعته إلى إعلان استقالته، وما يمكن أن تؤدي إليه تداعيات هذه الخطوة على حاضر لبنان ومستقبله.
من الواضح أن الاستقالة ستضع لبنان مجدداً أمام أزمة سياسية واجتماعية كبيرة، فبعد تشكيل الحكومة الذي ترافق مع اختيار ميشال عون رئيساً للجمهورية العام الماضي، كانت هناك آمال في أن تعود البلاد إلى سكة التوافقات الصحيحة، إلا أن هذه الوعود والآمال تبخّرت مع استمرار التعطيل الذي قادته بعض الأطراف السياسية، وصولاً إلى المرحلة الحالية.
الاستقالة كشفت بدون شك حقيقة التوازنات الهشّة التي تحكم لبنان، أسوؤها بالطبع التوازنات الطائفية، التي أضرّت باستقرار البلد وأمنه، فهذه التوازنات التي اعتاد اللبنانيون اتباعها في كل تسوية سياسية هي التي تعصف بالبلد وخياراته المستقلة، إلا أن الارتباطات الخارجية التي بدأت تظهر تأثيراتها خلال العقدين الأخيرين على البلاد، تعتبر أكثر العوامل المزعزعة للوضع، لبلد يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى توافقات داخلية حقيقية ينزع منها الارتباطات مع الدول التي تحمل مشاريع هدم، ليس للبنان فقط، بل وللعالم العربي، فإيران الحاضرة بقوة في لبنان، وخارجه، لا تحمل إلا الخراب حيثما تحلّ، وهو ما أفصح عنه رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري، الذي أشار إلى أن حضور إيران في لبنان لا يحمل إلا مشاريع الخراب والدمار.
sadeqnasher8@gmail.com