قضايا ودراسات

الأسرى هم القضية

يونس السيد
على مدى سنوات الكفاح ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ظلت قضية الأسرى في سجون الاحتلال واحدة من ثوابت القضية الفلسطينية، وركناً أساسياً من أركانها، وصل إلى مرتبة «القداسة» التي لا يجوز المساس بها تحت كل الظروف. لكن ما نشهده اليوم من قطع رواتب هؤلاء الأسرى، المحررون منهم، أو الذين يقبعون في «باستيلات» الاحتلال، وقمع المتضامنين معهم، يكشف عن انهيار سياسي وأخلاقي مريع لم نشهد مثيلاً له منذ إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
هؤلاء الأسرى الذين كانوا حتى قبل بضعة أسابيع يخوضون معركة «الحرية والكرامة» بأمعائهم الخاوية في مواجهة الجلاد الصهيوني، وعلى مدار التاريخ، ضربوا أروع الأمثلة في الصمود والتضحية، وخاضوا الإضراب تلو الإضراب، وأعطوا للقضية الوطنية قيمة مضافة، بل لعبوا دوراً وطنياً مميزاً في قيادة العمل الوطني وساهموا مساهمة فعالة في إنهاء الانقسام والتشرذم الفلسطيني، سعياً لإعادة اللحمة بين أبناء الشعب الواحد.. يجري التعامل معهم كأنهم مجموعات «إرهابية» استجابة للضغوط الصهيونية والأمريكية، بدلاً من وضع قضيتهم على رأس جدول أعمال القيادة الفلسطينية، وحمل رسالتهم إلى كل المحافل الدولية من أجل إطلاق سراحهم باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية في سبيل أعدل قضية على وجه الأرض.
قضية الأسرى، وقطع رواتبهم، لا يمكن أن تكون عربوناً مقدماً لتسوية افتراضية، بينما الشعب الفلسطيني لا يزال يخوض معركة مفتوحة ضد الاحتلال لإزاحة هذا الكابوس، واستعادة حقوقه المشروعة، وانتزاع حريته، واستقلاله، وحتى لو افترضنا جدلاً أن هناك تسوية قادمة، فإن حرية الأسرى يجب أن تكون بنداً أولاً على أجندة أية مفاوضات، وهي قضية ليست خاضعة للمساومة، ولا للمزايدة، فمن ضحى بحياته من أجل فلسطين هو الأجدر بأن يحمل شرف تحررها، وهو الأحق بأن يمثلها، ولنا في نيلسون مانديلا مثالاً يحتذى، كيف لا، ونحن لدينا أكثر من نيلسون مانديلا وراء القضبان.
فلسطين في النهاية ليست مجرد أرض، وحجارة، ومقدسات، بقدر ما هي وطن وشعب، تضم بين جنباتها كل شيء، البشر، والحجر، والشجر، والماء، والهواء، والمقدسات، وحتى التاريخ الذي يجب تحريره من مظاهر التشويه، والزيف، والخداع التي ابتدعتها الحركة الصهيونية.
وبغض النظر عن حرية الرأي والتعبير، فإن قمع المتضامنين السلميين مع الأسرى بالطريقة والأسلوب الذي جرى مؤخراً، مؤشر خطر على ما وصل إليه دعاة التطبيع والتنسيق الأمني، لكن تداعياته قد تكون أكثر خطراً على أصحاب النهج نفسه، لأن القضية الفلسطينية لا تزال حية، ولا يزال الصراع مفتوحاً مع الاحتلال، وقد عودنا الشعب الفلسطيني أنه لن يهدأ، أو يستكين، ألا بكنس هذا الاحتلال، وبالتالي يجدر بالمراهنين على التسويات أن يراجعوا حساباتهم بشأن قطع رواتب الأسرى، وأن يبتعدوا عن هذه القضية التي ارتقت إلى مرتبة «القداسة» لدى الفلسطينيين.

younis898@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى