قضايا ودراسات

الأفق المسدود للعلاقات الروسية – الإيرانية

الحسين الزاوي
هناك أسئلة كثيرة بات يطرحها المراقبون الدوليون بشأن مستقبل العلاقات الروسية -الإيرانية، في سياق التحولات الدولية والإقليمية الراهنة التي يجري فيها إعادة تقييم شامل للتحالفات السياسية على المستويين الدولي والإقليمي من أجل مواجهة التداعيات المحتملة لصراعات الدول الكبرى حول النفوذ في مختلف المناطق الاستراتيجية في العالم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، التي ما زالت تختزل القسم الأكبر من التناقضات والمواجهات العنيفة التي نلفيها عبر مجمل الجغرافيا السياسية الدولية. وإذا كانت المتغيرات الإقليمية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط على خلفية الصراع الدائر في سوريا، قد سمحت بتبلور تحالف ظرفي ما بين موسكو وطهران بعد التدخل العسكري الروسي من أجل دعم النظام في دمشق، فإن الرهانات الدبلوماسية المتعارضة إضافة إلى اختلاف الأجندات السياسية وتضارب المصالح المتعلقة بملف الطاقة، تجعل التقارب البراجماتي الراهن بين روسيا وإيران هشاً ويفتقد إلى العمق المطلوب، ويبدو أفقه البعيد غامضاً وشبه مسدود.
لقد عرفت العلاقات الروسية- الإيرانية تطوراً إيجابياً منذ سنة 2012، وسمح الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع الدول الكبرى في مدينة لوزان السويسرية في شهر يوليو/تموز من سنة 2015، بحدوث مزيد من التعاون والتنسيق بين البلدين، وذلك بعد فترة تراجع عرفتها العلاقات بينهما من سنة 2008 إلى سنة 2012 خلال فترة حكم الرئيس السابق ديمتري مدفيديف، وبالتالي فإن السياقات الجيوسياسية كانت وما زالت تحدّد وتوجّه سياسة موسكو تجاه طهران بحسب وزير الخارجية الروسي الأسبق بريماكوف، وذلك علاوة على المعطيات والأسباب التاريخية ذات الصلة بالتنافس بين العاصمتين في منطقتي القوقاز وبحر قزوين، وبخاصة في طاجكستان التي تعيش فيها أقلية من أصول فارسية ويتكلم سكانها لغة قريبة إلى حد بعيد من اللغة الفارسية.
ويمكن القول إن الغالبية الساحقة من المتابعين لملفات المنطقة، يجمعون على أن التقارب الإيراني – الروسي لا يستند على شروط موضوعية صلبة، غاية ما في الأمر أنهما في حاجة إلى تدوير الزوايا من أجل تجاوز هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي تتميّز بسعي الدول الغربية إلى عزلهما من أجل احتواء طموحهما الهادف إلى لعب دور جيواستراتيجي يتجاوز نطاق التحالفات التقليدية التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وهذا التقارب المرحلي القائم على مستوى الأهداف القريبة المدى، يدفع موسكو وطهران إلى تنسيق الجهود من أجل مواجهة ما يريان أنه استثمار سياسي من قبل الغرب للقيم الكونية المتعلقة بالحريات الأساسية وبمبادئ حقوق الإنسان، من أجل إضعاف الدول الوطنية والسيطرة على فضاءات حضارية ودينية لا يمكن للغرب أن يخترق أديم سماواتها المحصنة، دون أن يُعلي من شأن التعارض القائم ما بين واقع «الاستبداد» من جهة وأفق «الحرية والديمقراطية» من جهة أخرى. وذلك في مواجهة الثنائية التي تضعها موسكو ومعها الكثير من الدول التي تتوجس خيفة من السم المدسوس في عسل الديمقراطية الغربية، والقائمة على التعارض ما بين «النظام والاستقرار» من ناحية و«الفوضى والفشل الدولي» من ناحية أخرى.
نستطيع أن نقدم في هذا السياق، أمثلة عديدة تدعم المقاربة السياسية التي تذهب إلى التشكيك في مستقبل التحالف الروسي – الإيراني، نذكر بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر؛ من الصعب على طهران بداية، أن تمحو آثار الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفييتي السابق في أربعينات القرن الماضي لأكراد إيران من أجل تأسيس كيان مستقل، ولا يمكنها نسيان المساندة غير المشروطة التي قدمها الكرملين لصدام حسين في حربه المدمّرة مع إيران، ولا إغفال الاتفاق الأمريكي – الروسي الذي جرى التوصل إليه سنة 1995، والذي التزمت بموجبه موسكو بتوقيف تعاونها العسكري مع طهران، ولا أن تسقط من حساباتها كل المسائل المتعلقة بالتنافس القائم ما بين البلدين على أسواق الطاقة، الأمر الذي يجعل التبادل التجاري بينهما في غاية التواضع إذا ما قورن مثلاً، بالتعاون الاقتصادي الذي نلفيه ما بين إيران والصين. وتدفع هذه الأسباب وغيرها، قسماً معتبراً من النخبة السياسية في إيران، إلى التأكيد على أن موسكو تستغل نشاطها في مفاعلات بوشهر النووية من أجل المقايضة السياسية وللحصول على تنازلات من الغرب بالنسبة للملفات ذات الصلة الوثيقة بأمنها القومي، ومن ثمة فقد عبّر مؤخراً، قسم من هذه النخبة الإيرانية عن رفضهم السماح للقاذفات الروسية المتجهة إلى سوريا، باستعمال القاعدة الجوية الإيرانية في همذان.
نستطيع أن نخلص في الأخير إلى أن «زواج» المصلحة ما بين طهران وموسكو، تواجهه عقبات وتحديات كبرى، فروسيا التي يتواجد بها أكثر من 20 مليون مسلم، لا تريد أن تتورط في الصراع الطائفي الذي بدأت حدته تتصاعد خلال السنوات القليلة الماضية، وفضلاً عن ذلك فإن موسكو تحرص بشكل متواتر على تنمية علاقاتها مع دول الخليج، وترى أن صداقتها مع هذه الدول تمنحها حضوراً متميزاً على المستويين العربي والإسلامي. وبالتالي فإنه من الواضح لدى خبراء السياسة الدولية، أن طهران وموسكو لا ترغبان في المرحلة الراهنة في بلورة تحالف استراتيجي بعيد المدى. إذ إن طهران ما زالت تتطلع من جانبها إلى إحياء دورها التقليدي بوصفها شرطي أو دركي المنطقة، وقد استطاعت أن تحدث خرقاً كبيراً في توجهات السياسة الأمريكية المعادية لها في عهد أوباما؛ وعليه فإنه وبالرغم من اضطرارها إلى الدخول في مواجهة صامتة مع إدارة ترامب الجديدة، إلا أنها لا تخفي رغبتها في إعادة الدفء لعلاقاتها التاريخية المتميزة مع الغرب.

hzaoui63@yahoo.fr

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى