قضايا ودراسات

الأقباط والمناعة الوطنية

خيري منصور

ما تعرض له الأقباط المصريون خلال الأعوام الأخيرة وبتعاقب دراماتيكي لم يحقق هدفاً واحداً من بنك أهدافه!
فإذا كان المقصود بالعمليات الإرهابية ضد الأقباط تهجيرهم تبعاً لما جرى في العراق، فإن تشبثهم بتراب وطنهم تضاعف، وإذا كان المقصود تدويل القضية، وإعطاء فرصة للخارج كي يتدخل في شؤون مصر، فالأقباط تلقحوا مبكراً ضد مثل هذه الإصابة الوطنية.
وما قاله البابا تواضروس وهو أن مصر بلا كنائس خير من كنائس بلا مصر يختصر الدراما كلها، ويصادر على نحو استباقي ووقائي كل ما يمكن أن تحاوله أطراف تدعي حماية حقوق الأقليات.
بالرغم من تحفظنا على مصطلح الأقلية؛ لأن المكونات الأصيلة لأي نسيج اجتماعي وكيانية سياسية لا تخضع للنسب المئوية، وتعود محاولات بث الفتنة الطائفية في مصر إلى ما قبل هذا الزمن بكثير، فالإنجليز حاولوا ذلك، وكذلك الفرنسيون.
وكانت ثورة عام 1919 في مصر نموذجاً للكيفية التي تعامل بها المصريون مع استراتيجية فرق تسدْ، فقد تبادل الشيوخ والقساوسة المنابر، واقترن الهلال بالصليب، وانتهى الأمر إلى أن مصر لا تقبل القسمة على أكثر من واحد، لكن المحاولات لم تتوقف وإن كانت قد هجعت لبعض الوقت بانتظار مناخات ملائمة أو بالرهان على تصدع الدولة.
ومن يرصد ردود أفعال الأقباط المصريين بدءاً من المواطن العادي حتى رجال الدين يجد أن العمليات الإرهابية التي استهدفتهم أخطأت الهدف؛ لأنها لا تتوقف عند حدود قتل عدد منهم؛ بل تتخطى ذلك إلى تهييج الهاجس الطائفي، وما عبر عنه ذوو الضحايا هو بحد ذاته رسالة حاسمة إلى القتلة، فهم في ذروة الحزن والإحساس بالفقدان تماسكوا، ووجهوا الاتهام إلى طرف إرهابي بعينه، وليس إلى طائفة أخرى تعايشوا معها بسلام طيلة قرون.
وقد يكون تعاقب العمليات الإرهابية التي تستهدف الأقباط دليلاً على الإحساس بالفشل؛ لأن السحْر انقلب على السحَرة، وتأكد المصريون جميعاً أن المستهدف هو مصر كلها!
وهذا الوعي بحد ذاته ضمانة لمزيد من التعايش والشراكة المصيرية.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى