الأمعاء الخاوية تنتصر
بالقليل من الماء والملح، وبالكثير، الكثير جداً، من الإرادة والعزم والتصميم نجح الأسرى الفلسطينيون، وبعد إضراب عن الطعام استمر أربعين يوماً، على حمل سلطات السجن الصهيونية على التوصل لاتفاق معهم، بموجبه تحققت المطالب التي أضربوا عن الطعام من أجلها.
طوال الأسابيع الماضية منذ بداية الإضراب، تعاملت «إسرائيل» بمنتهى الغطرسة، رافضة حتى مجرد الحديث حول مطالب الأسرى، مراهنة على أن إرادتهم ستنكسر تحت وطأة الإضراب والمتاعب الصحية للأسرى، ومستفيدة من حال اللامبالاة، عربياً ودولياً، تجاه إضراب الأسرى ومعاناتهم، بل إن سلطات الاحتلال مارست شتى الضغوط النفسية والمعنوية على هؤلاء الأسرى للنيل من عزيمتهم، لإجبارهم على إنهاء الإضراب.
لكن كل هذا لم يفلح.
لا وطأة الإضراب ومتاعبه، ولا التجاهل العربي والدولي له، ولا مناورات سلطات الاحتلال وضغوطها، دفعت أكثر من ألف أسير مضرب على التزحزح عن مواقفهم، رغم أن العشرات منهم نقلوا إلى المستشفيات، بعد أن أصبحت حياتهم في خطر، دون أن تفل عزيمتهم.
في النهاية اضطرت سلطات الاحتلال لخوض مفاوضات مع المضربين قادها من جانبهم القائد الوطني الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي المحكوم بالسجن المؤبد، بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
معركة أخرى من معارك النضال الوطني الفلسطيني خاضها الفلسطينيون وحدهم تماماً، سواء منهم أولئك الأسرى الذين خاضوا الإضراب موحدين، مقدمين بذلك درساً بليغاً لقياداتهم في مغزى الوحدة وضرورتها، أو الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة التي هبت متضامنة مع الأسرى، ودخلت في مواجهات دامية مع قوات الاحتلال سقط خلالها شهداء وجرحى.
بل إن هذه المواجهات الباسلة كانت أحد عوامل اضطرار سلطات الاحتلال للدخول في مفاوضات مع الأسرى، بعد أن يئست من احتمال فكهم للإضراب، لأنها خشيت من أن يتحول الغضب الفلسطيني في الأراضي المحتلة إلى انتفاضة مستمرة، خصوصاً أن حملة التضامن مع الأسرى داخل فلسطين، التي جاءت على شكل مظاهرات واعتصامات ومواجهات مع المحتل، تزامنت مع قرب الذكرى الخمسين لاجتياح «إسرائيل» لقطاع غزة والضفة الغربية في عدوان يونيو/ حزيران عام 1967.
لم تكن معركة الأسرى العظيمة في دلالاتها المعنوية، وفيما فرضته على العدو من تنازلات، سوى معركة واحدة في مسيرة كفاحية مستمرة للأسرى الفلسطينيين والبالغ عددهم نحو سبعة آلاف أسير يواجهون ما يعرف بقانون «الاعتقال الإداري» المصدق عليه من قبل الكنيست عام 1979، والذي يخول سلطات الاحتلال أسر الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون تهم موجهة ضدهم أو محاكمة قانونية، لمدة تصل إلى ستة أشهر قابلة للتجديد، ويتم إقرارها بأمر إداري ودون حكم محكمة.
د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.comOriginal Article