قضايا ودراسات

الأ مّيون الجدد

د. حسن مدن

قبل فترة شاهدت مشهداً تمثيلياً ساخراً لعله جزء من عمل تلفزيوني عراقي، عن رجلٍ بسيط يذهب إلى طبيبة عيون، طالباً منها فحص نظره؛ كي يشتري نظارة طبية تُمكنه من القراءة، قائلاً لها، إن صديقاً له اقترح عليه زيارتها هي بالذات؛ لأنها من اقترح عليه أن يضع نظارة على عينيه، وإن ذلك ساعده كثيراً في سهولة القراءة.
راحت الطبيبة تجري فحصها على نظره، وبعد أن حددت العدسة المناسبة، ووضعتها على عينيه طلبت منه أن يقرأ شيئاً من مجلة وضعتها أمامه، فأجابها بأنه لا يستطيع، ما أثار استغرابها وهي تسأله: ألا ترى الحروف؟ فرّد بنعم؛ لكنه لا يستطيع قراءتها؛ لأنه أُمّي!
باستغراب قالت له: لماذا أتيت إلى هنا إذن طالما أنك أُمّي؟!، فقال إنه فهم من صديقه أن النظارة التي اقترحتها عليه مكّنته من القراءة، وهو يريد أن يكون مثله، وبسؤاله عن مكان عمل صديقه، أجاب بأنه طالب في الكلية، فردت الدكتورة غاضبة: أي أنه متعلم، طالبة منه مغادرة العيادة فوراً.
لشدة بساطته فهم هذا الرجل أن مجرد وضع نظارة على عينيه سيمكنه من أن يقرأ حتى دون أن يكون متعلماً، ولسنا نعلم ما إذا كان العلم سيتوصل يوماً إلى ابتكار جهاز يقرأ بالنيابة عنا، ويبلغنا بشكل فوري بما قرأ، ولكن موضوعنا ليس هذا.
أمس، أرسل لي ابني مقالاً مترجماً لشاعر وأديب إسباني توفي في منتصف القرن العشرين هو بيدرو ساليناس، أي أن المقال نفسه كُتِبَ قبل أكثر من نصف قرن، ووضع الترجمة إلى اللغة العربية، بصورة مشتركة، المترجم ثابت خميس من سلطنة عُمان والمترجمة مشاعل الهاجري من دولة الكويت.
عنوان هذا المقال المترجم هو «الأمّيون الجدد، ويدور حول الفكرة التالية: لم يعد الأمّيون هم فقط غير المتعلمين ممن لا يعرفون فك الحرف كالرجل البسيط الذي ذهب إلى طبيبة العيون، ظناً منه أن وضع نظارة على عينيه سيحل المشكلة، وإنما أيضاً هم أولئك الذين يعرفون القراءة والكتابة؛ لكنهم في حقيقة الأمر استمروا أمّيين».
حسب الكاتب «لا أحد وُلد وهو متعلم. الوضع الطبيعي للإنسان عند الولادة هو الأمّية، حتى يتعلم القراءة، ولكن القدرة على القراءة ظرفٌ احتماليٌ فحسب. أن تكون قادراً على القراءة شيء والقراءة الفعلية شيءٌ آخر. إن لم يقم «المتعلم» بتمرين مهاراته القرائية، فما فائدة تعلم القراءة أصلاً؟».
إنها صرخة ضد الأمّية الجديدة، أو الأمّية المستترة، صرخة ضد منظومة التعليم البالية والغبية التي تفرخ أنصاف أو حتى أرباع، أو فلنقل: أشباه متعلمين. أنصحكم بقراءة ترجمة هذا المقال الموجودة على الشبكة العنكبوتية.
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى