الإرهاب في العالم
د. عمر عبدالعزيز
ليس الإرهابُ وليدَ مرحلة تاريخية بذاتها، ولا انسلاخاً من دين بذاته، بل إن الإرهاب كان ومازال رديف البؤس الإنساني منذ أن وجد البشر على الأرض، والشاهد على ذلك جملة الحروب المتنقلة في الزمان والمكان والتي أنجبت بيئات قهر وفقر ودماء، واقترنت حصراً بأمراء الحروب وشذّاذ الآفاق من منتهكي الحرمات.
ذات الأمر استطرد على جملة الاستيهامات الدينية المجافية لمعنى الدين ومقاصده، حيث عرف العالم ذلك العنف المغلف بالشعارات الدينية، والأمثلة في هذا الباب أكثر من أن تحصى، ولعل شواهد آسيا وأوروبا التاريخية تمثل محطات بيان تدويني تاريخي لمعنى العنف الذي يبرره الأشاوس بالدين، وليست مذابح مسلمي (الروهينجا) سوى تعبير صارخ عن هذه الحقائق، وبالمقابل تجولت المذابح الدينية قديماً في أوروبا لتطال البروتستانت المسيحيين، واليهود، والعرب المسلمين في الأندلس، كما تمددت بقوة دفعها الهمجي لتطال الهنود الحمر في القارة الجديدة، حيث وصل الغزاة الأقحاح لتلك الديار وهم يزاوجون بين المدفع والصليب، ويخيرون السكان الأصليين بالتخلي الجبري عن عقائدهم ونمط حياتهم، وإلا تصبح إبادتهم المنهجية بالرصاص الحي خياراً لا مفر منه.
وما حدث قبيل وبعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا شاهد آخر على العنف المعجون بالاستيهامات الدينية والعرقية، مما هو مشهود وموثق بالأشرطة السينمائية الناطقة.
اليوم تعود آلة العنف الجهنمية وقد تمنطقت بوسائط التواصل الاجتماعي المنفلت من كل عقال، وتحركت بأذرع أخطبوطية في غوامض التعليم التدويني النابت من أرضية لا دينية بالمعنى الأخلاقي والسلوكي للكلمة، وبهذا المعنى أصبحت «داعش» ظاهراً، مثل عصابات (الكوكلوس كلان) اللاهجة بلغة إنجليكانية تسبّح باسم المسيحية الصهيونية، وتدّعي النقاء العرقي، وتعادي كل ذي لون أخضر.
مقدمات العنف الإرهابي ليست صادرة عن تلك الاسترجاعات البائسة للماضي الكئيب فحسب، بل تجد ملاذاتها التبريرية، وشواخصها الموضوعية، في الظلم العالمي الذي يزداد تقطيراً في بلدان الفشل والخيبات، فالعالم ينقسم رأسياً إلى شمال يستأثر بالثروة والقوة، وجنوب يعمل بالسخرة، وتنتظم ضمن هذه المتوالية الجهنمية كامل الروافع المالية والاستثمارية التي ترجح كفة الأقوياء ليزدادوا قوة، وتحاصر الضعفاء في مربع البؤس والحيرة والفقر ليزدادوا فقراً، ولا بأس ضمن هذا السياق الظالم من اعتماد وكلاء الأعمال، الذين يقومون بأدوار كلاب الحراسة المطيعين في تلك البلدان المحكوم عليها بالحيرة وفقدان الفتيلة.
هذه البيئة بجملتها شكلت وتشكل الأرض الخصبة لإنتاج الإرهاب وتنميته، عبر وسائل تبدأ بغسل أدمغة الشباب الأفتياء، ولا تنتهي بتخديرهم الفيزيائي المباشر عبر حبوب الهلوسة ومخدرات فقدان العقل.
لقد ثبت الآن ودونما ريب أن غرفاً سرية عالمية مظلمة هي من تدير هذه الجائحة، وتدعم من طرف خفي منصات انطلاق الإرهاب أياً كان شكله ولونه ورائحته، وأبسط شاهد على ما نذهب إليه يعيدنا إلى حروب أفغانستان الأولى التي تقدمت على خطى محاربة (الشيوعية الملحدة) في تلك الديار، فإذا بها تتحول إلى حرب كونية يتمترس في قلب محنتها مؤيدو (المجاهدين) السابقون.. الملاحقون لهم الآن!!
ليس أمام العقل الإنساني الرشيد في مثل هذه الأحوال من طريق سوى الذهاب مباشرة إلى عهد عالمي إنساني جديد يتخلى بحرية عن المكاسب النابعة من نتائج الحرب العالمية الثانية، ويعمل على وضع البشرية في ذات المنصة التنافسية الإبداعية العادلة، ففي ظل اقتصاد المعرفة وثورة التكنولوجيا، وبدائل الطاقة النظيفة والميزات الاستثمارية الواعدة لكل مربع أرضي في البحار أو اليابسة، تستطيع البشرية مغادرة ماضي الفقر والتعصب والتقاتل العدمي، لتحلق في ألفية متجددة بطوبى الازدهار والمحبة والتعايش والاطمئنان، فهل يفعلون ؟
omaraziz105@gmail.com