قضايا ودراسات

الإرهاب مجدداً

د.عبدالله السويجي
شهدت نهاية الأسبوع الماضي مجزرة راح ضحيتها 28 شخصاً و25 جريحاً، حين هاجم مسلحون ثلاث حافلات تقل مواطنين مصريين أقباطاً في محافظة المنيا في جنوبي مصر. وتقول الروايات إن المسلحين أوقفوا حافلة وسألوا الركاب إن كانوا مسيحيين، وحين أجابوهم بالإيجاب قاموا بإنزال الرجال وقتلهم برصاص رشاشاتهم بعد أن نهبوا ما بحوزتهم من هواتف وأموال، وما ترتديه النسوة من ذهب. بينما قالت مصابة في الحادث إن المسلحين الذين كانوا يرتدون زياً مموهاً يشبه الزي العسكري، قاموا بالصعود إلى الحافلة وأجبروا الركاب على النطق بالشهادتين، ثم أطلقوا النار صوبهم بشكل عشوائي.
لقد شهدت مصر في بداية الأسبوع الثاني من شهر أبريل/نيسان الماضي اعتداءً وحشياً آخر على المصلين في كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا شمال العاصمة المصرية، وقد تباينت التصريحات بشأن شكل الهجوم بين عبوة ناسفة وانتحاري فجر نفسه. وراح ضحية ذلك العمل الإرهابي 30 قتيلا وحوالي مئة جريح. وفي اليوم ذاته وبعد انفجار طنطا بنحو 3 ساعات وقع انفجار آخر بمحيط الكنيسة المرقسية بمحطة الرمل بالإسكندرية، كما وقع انفجار ثالث بكنيسة مار مرقس بمنطقة العطارين بالإسكندرية، وتأتي التفجيرات بالتزامن مع احتفال الأقباط بعيد السعف.
وكان انتحاري قد فجر نفسه في كنيسة ملاصقة لكاتدرائية الأقباط الأرثوذوكس في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي ما أسفر عن سقوط أكثر من 25 قتيلاً.
تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن التفجيرات التي استهدفت الكنائس في طنطا والإسكندرية، ومن غير المستبعد أن يكون هو المسؤول عن هجوم المنيا.
وماذا بعد؟ العمليات المذكورة ليست الوحيدة التي ضربت مسيحيي مصر، هناك عمليات وقعت قبل هذه التواريخ، وخلال العشر سنوات الماضية، وهي ظاهرة جديدة على المجتمع المصري الذي كانت كل الأديان تتعايش فيه بانسجام ومحبة. وقد ازدادت هذه العمليات بعد ظهور التنظيمات المتطرفة في ليبيا والعراق وسوريا، التي تنتهج منهجاً تكفيرياً واضحاً، ولا تتقبل الآخر المختلف، حتى ضمن الديانة الواحدة، وهو منهج يسلك درب الدم لتنفيذ أهدافه الضبابية. فالبعض يجاهر بالعداء للأديان، ويعتبر قتل أتباعها جهاداً في سبيل الله، والبعض يعلن أنه سيستعيد دولة الخلافة وتطبيق حكم الشرع، والبعض الثالث همه نشر الفوضى وتحطيم اقتصاد الدول التي يهاجمها تمهيداً لتقويض أنظمتها السياسية وتغييرها وصولاً إلى ما يسمونه «حكم الشريعة». ولكن، هل العمليات التي يتم تنفيذها في باريس ولندن ومانشستر وبرلين تهدف إلى إقامة الخلافة أيضا في تلك الدول؟ أم أن الأمر لا يعدو إرهاباً منظماً تقف خلفه دول بعينها تمارس ضغطاً من خلال العمليات الإرهابية، ولهذه الدول أجندات سياسية واقتصادية وربما عقائدية أيضا، ووجدت العنف هو السبيل الوحيد لتحقيق مآربها.
الوطن العربي قد يكون من أكثر المناطق في العالم تنوعاً في الأديان والمذاهب منذ مئات السنين، وأثبتت الأحداث والصراعات أن العنف لن يغير هذه الخارطة العقائدية، ولا يؤدي الإرهاب إلا إلى وقوع ضحايا أبرياء وجرحى يتحولون إلى معاقين مع مرور الزمن، ويبقى الوضع على حاله.
هنالك إرهاب منظم وإن ظهر من خلال تنظيمات عشوائية تطلق على نفسها مسميات لا حصر لها، وهذه التنظيمات لم يتسنَ لها تكوين قوة ضاربة لولا أنها تتلقى الدعم المالي والعسكري واللوجستي من أنظمة رسمية أعضاء في منظمة الأمم المتحدة، ولا شك أن الاستخبارات الإقليمية والعالمية على علم تام بتفاصيل تلك التنظيمات والجهات التي تدعمها والطرق التي تسلكها، فإدارة مئة ألف مقاتل ينتمون إلى ثلاثة أو أربعة تنظيمات متطرفة أو أصولية يحتاج إلى ميزانيات ضخمة وطرق إمداد وقنوات تحويل الأموال والذخائر والزي العسكري ومعدات الاتصال الحديثة وأجهزة التنصت والمتابعة وغيرها. إنه عمل منظم يحتاج إلى خبراء استراتيجيين عسكريين وسياسيين وإعلاميين، وأي حديث عن أن هذا التنظيم أو ذاك يعتمد في تمويله على بيع النفط أو جبي الضرائب من السكان الذين تحت سيطرته أو الاتجار بالآثار أو بالبشر ما هي إلا عوامل مساعدة لا تخدع أحداً. فجميع التنظيمات الثورية التي عرفها التاريخ كان يتم تمويلها من دول، وأثبتت التنظيمات المتطرفة الأصولية في بداية الأحداث السورية أنها تتلقى الدعم من دول معروفة كانت تجاهر في دعمها وتتفاوض بالنيابة عنها وتستضيفها، فلماذا يدور الحديث عن الإرهاب منذ سنوات قليلة جداً وكأنه مخلوق هبط من الغيب أو صعد من باطن الأرض وهو مجهول الهوية والمصدر.
الإرهاب يهدد منطقة الشرق الأوسط برمتها، ويهدد العالم العربي بما فيه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولا بد من التحرك الفعال للوقوف ضده بحزم ووضوح، بعيداً عن الدبلوماسية والمهادنات التي ميعت الواقع وأجلت القضاء على ظاهرة خطيرة تهدد المجتمعات ومستقبل الأجيال والمنجزات التنموية.
إن محاربة الإرهاب والتطرف شأن عربي وإسلامي في المقام الأول، ولهذا، فإن التنسيق واجب بين الدول المعنية لتحقيق نتائج ملموسة، لأن العمل مع الدول الأخرى، رغم أهميته، بدأ يشتت الحرب ضد الإرهاب، خاصة أن الدول الأخرى، غير العربية، لها مصالح في الإبقاء على الفوضى منتشرة، وعلى عدم الاستقرار حيّا، حتى تبقى المنطقة العربية سوق أسلحة مستداماً.

suwaiji@emirates.net.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى