قضايا ودراسات

الاحتلال واعتقال جرار

نبيل سالم

الاعتقالات ومهزلة التنسيق الأمني كل يوم تفضح الكيان العنصري الصهيوني، وتعتبر شاهداً جديداً على معاداته للسلام، وتنكره لأبسط المبادئ الدولية، ورفضه لكل دعوات السلام التي تنطلق من هنا وهناك، ولاسيما من الجانب العربي.
ففي خطوة لا مبرر لها أقدمت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» على اعتقال القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار وستة عشر من الناشطين الفلسطينيين، فيما منعت عائلات من زيارة أبنائها الأسرى في السجون.
واعتقال المناضلة الفلسطينية جرار، وإن كان ليس الأول في سلسلة الممارسات القمعية «الإسرائيلية»، ولن يكون الأخير ضد أبناء الشعب الفلسطيني، إلا أن ما يميز حالة الاعتقال هذه أنها لم تأت على خلفية اتهامات محددة للمناضلة الفلسطينية، التي تناضل ضد الاحتلال بالكلمة وفي الإطار السياسي البحت، ناهيك عن أن هذا الاعتقال جاء في إطار جملة اعتقالات طالت عدداً من الوجوه النسائية الفلسطينية المناضلة، والأسرى المحررين.
ففي جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال اقتحمت قوات الاحتلال مخيم العروب شمالاً، وداهمت منازل الأهالي ونفذت حملة اعتقالات، فيما جرى اعتقال عدد من الفلسطينيين من محافظة رام الله والبيرة، هم النائب في المجلس التشريعي خالدة جرار، والناشطة النسوية رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية ختام السعافين، إضافة إلى أسير محرر. كما اعتقلت قوات الاحتلال في بلدة حوسان في محافظة بيت لحم، ثلاثة فلسطينيين من محافظة جنين، فيما منعت أكثر من ثماني عائلات من ذوي الأسرى في محافظة الخليل، من زيارة أبنائهم في سجن نفحة.
ومع أن عمليات الاعتقال باتت شبه يومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن ما يلفت الانتباه هنا هو إقدام سلطات الاحتلال الصهيوني العنصري على هدم النصب التذكاري للشهيد خالد نزال، ما يدل على مدى الحقد الذي تحمله قوات الاحتلال على رموز الشعب الفلسطيني المناضل، بمن فيهم حتى الشهداء.
كما ان إقدام العدو على اعتقال قيادات نسوية، إن دل على شيء فإنما يدل على حضور المرأة الفلسطينية في ساحات النضال الوطني الفلسطيني، الذي لم يتوقف يوماً منذ بدايات المشروع العنصري الاستيطاني الإجلائي الصهيوني وحتى يومنا هذا.
ومع أن السلطة الفلسطينية المنوط بها تمثيل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة دانت عمليات الاعتقال، واتهمت الاحتلال باللجوء إلى استخدام التصعيد الشامل ضد الفلسطينيين وضد ممتلكاتهم وأراضيهم والمقدسات، محملة إياه المسؤولية الكاملة عن كافة الإجراءات التصعيدية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا الموقف الصادر عن السلطة الفلسطينية رغم إيجابيته يبقى موقفاً ناقصاً طالما استمر ما يسمى بالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وهو ما ذهبت إليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي دانت استمرار هذا التنسيق أكثر من مرة، مؤكدة عقم خيارات السلطة واستمرار رهانها على مشروع التسوية والتنسيق الأمني.لا سيما مع استمرار الجرائم «الإسرائيلية» بحق الشعب الفلسطيني وفي أعقاب ما تسرب من معلومات بخصوص مخطط لسن قانون جديد يمنع ما يعتبره التخلي عن القدس المحتلة في وقت تتواصل فيه إجراءات الاحتلال باعتقال النواب والسياسيين الفلسطينيين الذين كان آخرهم اعتقال جرار.
ويمكن القول إن أقدام الاحتلال الصهيوني على اعتقال المناضلة الفلسطينية خالدة جرار والناشطة النسوية رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية ختام السعافين وآخرين، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن العدو الصهيوني غير راغب في أي سلام مع العرب عامة والشعب الفلسطيني بشكل خاص، وعليه فإن من العقم السياسي أن تستمر السلطة الفلسطينية، في تقديم تنازلاتها المتتالية إلى الكيان الصهيوني، حالمة بفرصة لبناء سلام في هذه المنطقة، حيث أثبتت سياسة التنازلات، أنها لا يمكن أن تقود إلى حل، بل بالعكس من شأنها أن تفتح شهية الاحتلال للاستيلاء على المزيد من الأراضي العربية، والإمعان في قهر وإذلال الشعب الفلسطيني المكافح.
وأخيراً، يمكن القول إن مقارعة الاحتلال تبقى الوسيلة الأنجع للحصول على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولجم سياسة العدوان التي ينتهجها، وأولى الخطوات المطلوبة في هذا الشأن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي لا يمكن وصفه إلا بالمهزلة، لأنه ما لم يتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال سيبقى جنود العدو يصولون ويجولون في الأراضي المحتلة تحت بصر وسمع السلطة الفلسطينية في سابقة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

nabil_salem.1954@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى