قضايا ودراسات

الاستثمار في المتأخرين دراسياً

تهتم بعض المدارس الثانوية بفتح فصول للمتميزين دراسياً، بهدف تقوية حافز التنافس الإيجابي، ودفعهم إلى الارتقاء بحصيلتهم الدراسية المعرفية، وهو إجراء يحتمل النظر إليه من أكثر من زاوية، فكما التنافس يرفع الحصيلة العلمية للمتنافسين، فإن عزلهم في فصول خاصة يحرم بقية الطلبة المتوسطين ومن يتراوحون حولهم علواً أو انخفاضاً، من نموذج وقدوة كان من الممكن أن يستثير لديهم الدافعية للتعليم والاستزادة والارتقاء بالحصيلة العلمية، والنتيجتان يمكن أن تتحققا على أرض الواقع، فنستفيد من جهة ونوقع الضرر من جهة أخرى.
لكن لماذا لا نعطي الاهتمام ذاته لفئة الطلبة المتأخرين دراسياً، فنحاول أن نأخذ بأيديهم بطريقة علمية وننتشلهم من واقع الضياع الذي يعيشون فيه؟
جميعنا عشنا طفولتنا في فصول تضم جميع المستويات، المسحوقة والمظلومة منها هي فئة المتأخرين دراسياً، التي لا تجد الاهتمام الكافي من المعلم، وتتعرض للعقاب دائماً بسبب الإجابات الخاطئة وعدم حل الواجبات المدرسية المنزلية، وعدم التفاعل مع المعلم في الصف، وأحياناً بسبب المشاغبات التي يلجأ إليها هؤلاء ليعوضوا بعض ما يفتقدونه من شخصياتهم، ومحاولة لفت النظر إليهم بوسائل أخرى غير التفوق العلمي الذي لا يجيدونه، ويعادونه في كثير من الأحيان لأنه صعب المنال بالنسبة إليهم.
المتأخرون دراسياً ليسوا مذنبين على الأغلب، فهم ضحايا بيئتهم ومجتمعهم الذي لم يعطهم ما أعطاه لزملائهم المتفوقين من علم وقدرة على الفهم والاستيعاب، وبالتأكيد فإنهم ليسوا متخلفين عقلياً، فهؤلاء لهم دور خاصة للتربية والتعليم، لكن مشكلة المتأخرين دراسياً أنهم بطبيعتهم ووفق نشأتهم لا يميلون لتلقي العلوم بالطرق التقليدية، لا يحفظون وليس لديهم العقلية العلمية النقدية والباحثة، إنما لديهم ميول أخرى يجب أن نبحث عنها وننميها ونحترمها.
هؤلاء أقرب ما يكونون إلى التعليم الفني بأنواعه المختلفة، ومعظمهم يتفوقون فيه ويبدعون، ويتحولون إلى مهنيين، محترفين، أكفاء، ويستوعبون مفرداته بسهولة لا يجدونها في مقررات التعليم العام، والبلد بحاجة إليهم وسوق العمل يستوعبهم بسرعة لا يستوعب فيها الجامعيين خريجي الكليات النظرية الذين ينتظرون مطولاً حتى يعثروا على الوظيفة المناسبة، فيما الخريج المهني يرتقي في عمله ويتطور مستواه به، ويسد خانة مهمة في سوق العمل الذي يعتمد على الكفاءات الفنية غير المواطنة.
المطلوب أن نحسن الاستثمار في أبنائنا المتأخرين دراسياً الذين يميلون إلى التعليم الفني، والمدارس قادرة على أن توفره لهم من دون التوسع في إنشاء مدارس فنية في كل الإمارات، ففصل أو بضعة فصول في كل مدرسة توفي بالغرض، وتحيي من جديد شباباً كادوا يتحطمون نفسياً بسبب عدم إقبالهم على مناهج التعليم العام ومجافاتهم لها، وهم أحرار في ذلك طالما أنهم يتفوقون في الدراسات الفنية.
إنه استثمار مربح لو أحسنا استغلاله، ونتائجه ستكون رائعة.
ابن الديرة
ebn-aldeera@alkhaleej.aeOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى