قضايا ودراسات

الانتحار الكيميائي

خيري منصور
في الكتاب الشهير الذي حمل عنوان «الحرب الكيميائية» لمؤلفه أوليفر لوبيك والمكرس لنتائج استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الأولى، ثمة ما يوحي بالتحذير من تطوير هذه الأسلحة، فهي ليست مدمرة وإبادية على الصعيد العضوي فقط، بل لها نتائج نفسية على الجميع ولا ينجو من هذه الإصابة، حتى الجنود أنفسهم.
وقد يكون عام 1918، وهو آخر سنوات الحرب الأربع هو أسوأها على الإطلاق ،لأن الحرب قبل أن تضع أوزارها تبيح المحرم والمحظور ولا تبقي على أي احتياطي يمكن استدعاؤه!
وبلغ عدد ضحايا ذلك العام من استخدام غاز الخردل نصف مليون، وهي نسبة لا تتجاوز الثلاثة في المئة من مجمل الضحايا، لكن الخيال وحده يمنحنا الفرصة لتصور كم هو عدد الضحايا في أيامنا إذا استخدمت أسلحة إبادية من هذا النوع ، خصوصاً بعد أن طورت؟
ويذكرنا كتاب لوبيك بتلك التراجيديا التي عاشتها اليابان بعد استخدام القنابل الذرية لأول مرة، رغم أن ما تعرضت له هيروشيما وناجازاكي لا يعادل واحداً بالألف مما يمكن أن تتعرض له مدن أخرى في أيامنا، خصوصاً بعد امتلاك قنابل يقول العلماء إنها قادرة على تدمير تسعة كواكب بحجم كوكب الأرض، أو بمعنى آخر تدمير الأرض تسع مرات!
ورغم الجهود التي بذلت من أفراد وجمعيات ومؤسسات للتحذير من الأسلحة الإبادية، إلا أن ما قاله واحد من أبرز المناهضين للسلاح النووي ودعاة السلام وهو الفيلسوف «برتراند راسل» يبقى الأشد تعبيراً وتجسيداً لمثل هذه الكوارث، وهو أن البشر قد استخدموا عقلهم وعلمهم من أجل انتحار جماعي، وهذا ما يعف عنه حتى الحيوان!
وليس مهماً البحث عن أول من استخدم مثل هذه الأسلحة، سواء كانوا الألمان عام 1915 أو الفرنسيين عام 1914 بقدر ما أن الأهمية كلها للمبدأ من أجل استدعاء كل ما من شأنه أن يحمي البشر من هذا الانتحار.
فالعلم ككل سلاح آخر له حدان، لهذا لا بد له من بوصلة تضبط مساره!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى