قضايا ودراسات

التباس تاريخي

خيري منصور

قد يتصور من قرأوا التاريخ أفقياً أو سياحياً أن ما مضى من عصور كان ذهبياً وبلا شوائب، وأن العنف حكر على عصرنا، لهذا يستبد بهم الحنين حتى النوستالجيا للماضي.
والحقيقة أن كل ما تغير هو الوعي بما يجري وليس ما يجري بحد ذاته!
فالعالم عرف حروباً دينية بالغة الضراوة والعنف، ومر بمراحل شديدة القسوة، غاب عنها القانون والشهود، لكن وسائل الاتصال وأجهزة الرصد لم تكن قد اكتشفت بعد، وهناك أحداث لم يعرفها الناس إلا بعد شهور أو أعوام؛ لأن التواصل كان بوسائل بدائية تتراوح بين الحمام الزاجل والخيول!
ونحن في هذه الأيام نشهد الأحداث فور وقوعها حتى لو كانت بعيدة عنا آلاف الأميال وتفصلنا عنها صحارى ومحيطات!
لهذا نشعر بأن العنف هو سمة عصرنا فقط.
وإن شئنا أمثلة فليتصور الناس الإبادات الجماعية للهنود الحمر وماذا كان سيحدث لو أن الفضائيات بمختلف اللغات تنقل المشاهد حية؟ وربما لهذا السبب قال «ماكلوهان» عبارته الشهيرة عن تحالف الصورة مع الفيتناميين في الحرب، وهناك جرائم شبه كاملة وقعت في الماضي لندرة الشهود وشحة القرائن، لهذا فالالتباس يأتي من المقارنة بين أزمنة متباعدة من حيث التطور العلمي ومنسوب التمدن، وليس معنى ذلك أن الماضي كان من ذهب أو نحاس حسب تصنيف «هزيود» الشهير للعصور. فالإنسان بمجمل دوافعه وغرائزه لم يتغير جذرياً؛ بل طرأت عليه تحولات فرضها التمدن واكتشاف الأسباب التي تؤدي إلى التعايش!
والأرجح أن ما يدفعنا إلى استهجان ما يحدث الآن في عالمنا هو إدراكنا لما بلغته البشرية من تطور، في مختلف المجالات، لكن هذا التقدم لم يشمل بالوتيرة ذاتها البعد الأخلاقي، لهذا غاب التوازن واختلت المعادلة الكونية!
لقد أنتج العنف باستمرار عنفاً مضاداً والقاعدة الفيزيائية عن الفعل ورد الفعل لها تجليات في التاريخ أيضاً، فهل تؤدي معرفة السبب إلى إبطال العجب؟

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى