قضايا ودراسات

التجاوزات في البحوث العلمية الصينية

ريتشارد دي غريس *
برزت ممارسات البحوث في الصين في الأخبار مرة أخرى، إذ قامت دار النشر العملاقة، سبرينغر، بسحب أكثر من مئة مقالة علمية من تأليف علماء صينيين من مجلاتها.

يبدو أن عمليات مراجعات أقران «زائفة» كانت وراء سحب المقالات الأخيرة: أي أن تدقيق المقالات البحثية الذي قامت به أطراف ثالثة، لم يتمَّ بشكل مستقل أو محايد، كما أوحت المظاهر.
وهذا النوع من الأخبار، مرة أخرى، يفت في عضد غالبية العلماء الصينيين الذين يمتثلون بشكل صارم لمتطلبات البحوث الأخلاقية. ويجب الاعتراف بأن دار النشر، سبرينغر(المقيمة في ألمانيا والولايات المتحدة)، أشارت إلى أن الاحتيال في البحوث مشكلة عالمية؛ ولكن كثيراً ما يجري تقصُّد الصين دون غيرها.
واستجابة لذلك، تعهّد شانغ يونغ، نائب رئيس مجلس إدارة الرابطة الصينية للعلوم والتكنولوجيا، بعدم التسامح مطلقاً مع الاحتيال الأكاديمي. قال لوكالة أنباء شينخوا الصينية يوم 25 مايو/ أيار: «إن الصين سوف تحتوي بحزم توالد وانتشار الاحتيال الأكاديمي، وتتعامل مع مثل هذا السلوك المشين بجدية».
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نفذت الرابطة الصينية للعلوم والتكنولوجيا، إطاراً تنظيمياً لتسهيل قمع أي سوء سلوك. ومع ذلك، تشير الأدلة المستندة إلى بعض الأمثلة، إلى أنه لا يزال متفشياً في بعض قطاعات العلوم الصينية، كما يعترف الباحثون أنفسهم.
وتشير نتائج دراسة استقصائية جديدة للباحثين الصينيين في الطب الحيوي، نُشرت في إبريل/ نيسان 2017 في مجلة «أخلاقيات العلوم والهندسة»، إلى أن نحو 40% من الباحثين في البلاد، ربما يكونون قد تعاطوا مع سوء السلوك في البحوث بطريقة أو بأخرى.
وبصرف النظر عن مدى دقة هذا الرقم، فإن الاستنتاج بأن الأكاديميين الصينيين يشعرون بأن سوء السلوك في البحوث لايزال مشكلة رئيسية، واضح للعيان. وبدلاً من التركيز على الأعداد، يستدعي ذلك تركيزاً متجدداً على القضايا الكبرى، وهي الأسباب الكامنة وراء السلوك غير الأخلاقي.
وأقرّ شانغ يونغ قائلاً، إنه «يجب استخلاص الدروس من الاحتيال العلمي، وثمة حاجة إلى بذل جهود لإصلاح نظام تقييم العلماء، والمشاريع العلمية ومؤسسات البحث العلمي».
ونظام التقييم، الذي يشبه «حجماً واحداً يناسب كل المقاسات»، والذي يطبق في العادة لتقييم جميع الباحثين في البلاد، في حاجة إلى إصلاح كبير منذ زمن طويل. وتتولى الرابطة الصينية للعلوم والتكنولوجيا الصدارة الآن في معالجة ذلك على المستوى الوزاري- وهذه أخبار طيبة لغالبية الباحثين النزيهين.
وبالفعل، فإن نحو ثلاثة أرباع المستجيبين لبحث الطب الحيوي الآنف الذكر، يرون أن نظام التقييم في حاجة إلى تغيير، مع 13% فقط، يؤيدون اتخاذ إجراءات تنظيمية أخرى.
وكان من بين أكثر أنواع سوء السلوك المبلغ عنه شيوعاً الانتحال- أي إعادة استعمال كلمات أو أفكار شخص آخر دون نسبتها إليه بشكل مناسب- وقضايا التأليف. ويمكن أن يتخذ ذلك شكل إضافة أسماء شهيرة إلى الأوراق البحثية دون موافقة المؤلفين، على أمل تسهيل اجتياز عملية مراجعة الأقران، وهو ما يدعى في أحيان كثيرة «التأليف الهدية» (إدراج أسماء باحثين كبار باعتبارهم مشاركين في التأليف، على الرغم من عدم وجود علاقة حقيقية لهم بالبحث).
أشار الباحث في سياسة التعليم، «شوانغ يي تشين» من جامعة شرق الصين العادية، في شنغهاي، في مقالة حديثة عن هذه المشكلة، إلى البيئة البحثية المعقدة في الصين، حيث قال «إنها أشدُّ تعقيداً في السياق الصيني. ومَن يُهدون أسماءهم لتوضع على البحث، يفعلون ذلك كنوع من العمل التعاوني. فهم يعرفون أن شخصاً ما طالب للترقية، ويحتاج إلى هذا النوع من الأوراق البحثية أو التأليف. ويقومون بإهداء هذا النوع من التأليف، لا كعمل فردي، بل لمنفعة المجموعة كلها، أو المختبر».
والمشكلة الكامنة هنا، هي أن مخرجات البحث، كثيراً ما تستند حصراً إلى أعداد المنشورات التي أنتجها العلماء، دون اعتبار للجودة. وفي معظم الأحيان، تعطى الأهمية للمؤلف الأول فقط، مما يكون له أثر جانبي سلبي إضافي، إذ يعيق التعاون البحثي. والتعاون هو عماد المشروع البحثي.. ولذلك، فإن النظام الذي يثبط التعاون البحثي، يثير الاستهجان على الصعيد العالمي.
وليس هنالك سبب وجيه للتمسك بإحصاء الأعداد في تقييم البحوث. فالمؤسسات الصينية المحلية مؤهلة تماماً لتبنّي نهج يقدّر قيمة النوعية لا الكمية.
ولعل المسألة تتعلق بالإرادة السياسية فقط لإصلاح النظام وجعله أقدر على المنافسة، والحدّ من الضغط الذي يدفع زملاءنا إلى ارتكاب الغش الأكاديمي. ولنأمل في أن مبادرة رابطة العلوم والتكنولوجيا الصينية، سوف تؤدي إلى إحداث تغيير إيجابي، بما في ذلك، تغيير التصورات الدولية، عن الوسط البحثي في الصين.
* أستاذ في الفلك والفيزياء الفلكية في معهد كافلي، جامعة بكين. موقع: «تشاينا ديلي»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى