قضايا ودراسات

التحالف الشيطاني لهدم الدولة الوطنية

عاطف الغمري
اللافت للنظر أن كثيراً من وثائق أجندات عمل المنظمات الإرهابية، بدءاً من «القاعدة»، إلى «داعش»، مروراً ب«أنصار بيت المقدس» في سيناء، و«حسم» الإخوانية، وفروعها الأخرى في مصر، وبقية صنوفها في ليبيا، وغيرها، تكاد تتطابق تماماً مع برامج عمل مخططات لأجهزة مخابرات أجنبية، وكلها تعمل على مبدأ هدم الدولة الوطنية في كل منطقة عربية، وتقسيم مجتمعاتها من الداخل.
وإذا تأملنا آخر ما أذاعه تنظيم «داعش» صراحة بعنوان «ضرورة إسقاط مصر»، وقولها إننا لو أسقطنا مصر، فسوف نسيطر على المنطقة بكاملها، ثم يمتد حكمنا إلى العالم كله!.
وهنا نسأل كل ذي عقل يفكر، هل يختلف هذا التوهم، عما قيل في منتصف التسعينات في جلسة غير معلنة، تسربت تفاصيلها إلى صحف أمريكية، وكانت الجلسة في وزارة الدفاع الأمريكية عقب غزو العراق مباشرة، في إطار لجنة برئاسة الصهيوني ريتشارد بيرل رئيس اللجنة الاستشارية السياسية بالبنتاجون، ومضمونها هدم الدولة. وكان من بين ما قيل فيها، إن غزو العراق هو الخطوة التكتيكية، تأتي بعدها السعودية كخطوة استراتيجية، ثم يأتي الدور على مصر، لتكون هي «الجائزة الكبرى» (Grand Strategy)،
وليس خافياً كذلك أن غزو العراق الذي وصفه بوش بأنه سيكون النموذج الذي يحتذى في بقية دول المنطقة، قد تعرض لخطة ممنهجة لهدم الدولة تماماً. ولم يتوقف الأمر عند هدم مؤسساتها، بل تعدى ذلك إلى عملية استيلاء على ما يخص تاريخ وهوية الدولة في المتاحف، وتهريبها جميعاً للخارج. وما نشر في صحف أمريكية عن التلاعب في سجلات المواطنين بالجهة التي تحتوي سجلاتهم، من أجل تسريب أشخاص إلى العراق، وإضفاء الهوية العراقية عليهم، وطمس هوية الدولة الوطنية.
وكذلك حديث كولن باول وزير الخارجية الأمريكي وقتئذ عن خريطة جديدة للشرق الأوسط بعد حرب العراق، وكتابات الناطقين بفكر قيادات البنتاجون من أنصار الصهيونية المعادين للعرب مثل ريتشارد كراوتهامر، وويليا كريسفول، وجيمس وولسى، وغيرهم، عن أن فرص التغيير في العالم العربي على وجه التحديد والإسلامي بشكل عام، هو الهدف من حرب العراق.
وكان الهدف المعلن للحرب- بخلاف أسلحة الدمار – تغيير النظام، وقيام نظام بديل يحل محله لكن الحرب لم تغير النظام بل هدمته، ومعروف من قراءة التجارب التاريخية، حتى في المرحلة القريبة والمعاصرة، أن انهيار نظام أو هدمه، دون خلق البديل فوراً وفي الحال يخلق فراغ سلطة، يكون بمثابة دعوة أو إغراء للفوضى وقرينها الإرهاب، ليتقدم لشغل الفراغ.
نفس الترتيبات سبق أن كتب عنها الخبير العسكري «الإسرائيلي» زئيف تشيف في عام 1982، أي قبل حرب العراق بنحو 20 عاماً، من أن ما يمكن عمله في العراق، هو تفكيك الدولة، إلى دويلات منفصلة. وتلك كانت الخطوة التكتيكة الأولى في سلسلة هدم الدولة الوطنية في المنطقة.
وما يؤكد اعتماد خطط هدم الدولة على جماعات محلية وعملية، هو المفهوم الذي طرح بقوة في أجواء المناقشات المألوفة حول سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط، والذي عرف باسم Smiltiarg Auxiliaries وكان يعني قوى محلية في خدمة دول محاربة أجنبية. وما كان وزير الدفاع البريطاني مايكل فانون قد تحدث عنه بقوله إن الحرب في الشرق الأوسط عامة، يمكن كسبها براً من جانبنا فقط، لكن يمكن أيضاً كسبها بالاعتماد على قوى محلية.
في إطار نشاط هذه القوى المحلية، وهي ميليشيات مسلحة، والتي انتعشت في أجواء خطط الفوضى الهدامة (التي أسموها الفوضى الخلَّاقة)، ابتداء من عام 2011، كانت أجهزة المخابرات الغربية تعترف بأن الفوضى، هي البيئة المثالية، لتكاثر وانتشار منظمات الإرهاب، والتي كان مبدأ هدم الدولة الوطنية على رأس أولوياتها.
لهذا لم يكن عسيراً أن يتم التلاقي والتعاون، والتنسيق، بين الجهتين اللتين تركَّز اهتمامهما على فكرة هدم الدولة الوطنية، وهما أجهزة مخابرات أجنبية من ناحية، وعناصر محلية أظهرت علناً وصراحة، كراهيتها للدولة الوطنية، والعمل على هدمها، واستبدالها ببديل آخر تتصور أو تتوهم إمكان وجوده.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى