قضايا ودراسات

التدخلات العسكرية تستدعي الإرهاب

* جاكوب هورنبرجر
يطرح الاعتداء الإرهابي الأخير في مدينة مانشستر الإنجليزية سؤالاً على كل البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين: هل التدخلات المتواصلة في الشرق الأوسط وأفغانستان تستأهل هذه الخسائر والآلام الإنسانية؟
في عام 1996، سألت مراسلة شبكة «سي بي إس» الأمريكية ليسلي ستال سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت: «سمعنا أن نصف مليون طفل ماتوا (في العراق). وهذا عدد أكبر من عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما. فهل هذا الثمن يستأهل؟ (الحصار المفروض آنذاك على العراق؟ ).
وأجابت أولبرايت: «أعتقد أن هذا خيار صعب جداً، ولكن الثمن – أعتقد أن الثمن يستأهل».
إن ما كانت ستال تتحدث عنه هو العدد الهائل من الأطفال العراقيين الذين ماتوا نتيجة للتدخل الأمريكي في العراق خلال التسعينات، خصوصاً محاولة الحكومة الأمريكية إسقاط صدام حسين من السلطة وإحلال حاكم توافق عليه الولايات المتحدة محله.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، طبقت الولايات المتحدة نظام عقوبات وحشياً كان المواطنون العراقيون ضحاياه. وكانت الفكرة أن التسبب بالحد الأقصى من الصعوبات الاقتصادية سيدفع الشعب العراقي إلى الثورة وإزاحة حاكمه من السلطة من دون أن تضطر الولايات المتحدة إلى القيام بعمل عسكري. وبالفعل، حققت العقوبات نجاحاً هائلاً في التسبب بأذى اقتصادي للشعب العراقي. ولكن ذلك لم يكن النجاح الأكبر للعقوبات. إذ إن «النجاح الأكبر» كان التسبب بوفاة أعداد ضخمة من الأطفال العراقيين.
ولكن إذا كانت العقوبات قد نجحت في التسبب بالموت والمعاناة للشعب العراقي، إلا أنها أخفقت في إسقاط صدام حسين. ومرت سبع سنوات أخرى من الموت والخراب قبل أن تتخلى أمريكا أخيراً عن العقوبات وتقرر اللجوء إلى العمل العسكري في 2003 من أجل إسقاط صدام وإحلال نظام ترضى عنه الولايات المتحدة محل نظامه.
إن جوهر السؤال الذي طرح على أولبرايت في 1996 كان: هل موت نصف مليون طفل يستأهل التدخل الأمريكي في العراق؟. بنظر أولبرايت، نعم، كان ذلك يستأهل.
وفي أعقاب الاعتداء الإرهابي في مانشستر، يتخذ السؤال الذي طرح على أولبرايت شكلاً مختلفاً: هل استمرار التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط يستأهل موت أولئك الأطفال والناس الذين قتلوا في الاعتداء الإرهابي الأحدث في سلسلة طويلة من الاعتداءات الإرهابية؟.
لم يكن مما يدعو للدهشة أن المسؤولين البريطانيين لم يطرحوا هذا السؤال ولا طلبوا من مواطنيهم أن يطرحوه. فهم، مثلهم مثل الأمريكيين، لا يريدون أن يتساءل الشعب حول جدوى التدخلات الأمريكية والبريطانية – دع عنك أن يرفض ويتحدى هذه التدخلات. وبذلك كان المسؤولون البريطانيون يردون على اعتداء مانشستر الإرهابي بالطريقة ذاتها التي يرد بها المسؤولون الأمريكيون ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية على الاعتداءات الإرهابية التي تستهدف الأمريكيين. إنهم يقولون إن الإرهابيين أشخاص أشرار وجبناء،.
ولكن أليس هذا تجاهلاً لجوهر المسألة؟. جوهر المسألة هو أنه مهما يكن انتقام الإرهابيين شريراً وجباناً، ومهما قلنا إنه ليس لديهم أي حق في الرد بهذه الطريقة على التدخلات الأمريكية، فإن الواقع يبقى أن هذا الانتقام بأساليب إرهابية لا بد أن يحدث. ومهما كنا نرغب في أن تستمر التدخلات الأمريكية ولكن من دون رد انتقامي إرهابي، فإن الرد الانتقامي الإرهابي سيستمر رداً على التدخلات الأمريكية.
وهناك أمر آخر يجب على الناس أن يضعوه في أذهانهم: الحكومة (الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية) لا يمكنها ضمان سلامة الناس، بمن فيهم الأطفال، من الرد الانتقامي الإرهابي.
وهل استمرار التدخلات الأمريكية يستأهل كل هذا الموت والخراب؟. هذا هو السؤال الذي يواجه الشعب الأمريكي، والشعب البريطاني، والشعب الفرنسي. إنه سؤال لا يواجه الشعب السويسري، لأنهم ليسوا شركاء في التدخلات الأمريكية، وبالتالي ليسوا مستهدفين برد انتقامي إرهابي.

* كاتب وصحفي أمريكي مؤسس ورئيس تحرير موقع «مؤسسة مستقبل الحرية» (www.fff.org)


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى