قضايا ودراسات

التصدي للتطرف

ابن الديرة
مواجهة الفكر المتطرف على مختلف أنواعه ومسمياته، يجب أن تكون شاملة لتؤتي ثمارها، ولا تقتصر أبداً على المواجهة العسكرية ومحاولة تصفية المتطرفين أو إلقائهم في السجون، فهذه واحدة من طرق متعددة يجب على الدول أن تسلكها لتحقق المطلوب، وفي مقدمتها تحصين المجتمع ضد الأفكار المتطرفة السوداء التي يعتمد معتنقوها العنف والإرهاب منهجاً ووسيلة، لتحقيق مآربهم الخاصة في الحكم والسيطرة والتحكم بمقدرات البشر ومصائرهم.
والظلاميون، الإرهابيون، لا يستهدفون كل أبناء المجتمع بأفكارهم، لأنهم على يقين بوجود كوادر قيادية مشبعة بالعلم والمعرفة، وهناك عقائديون يحملون أفكاراً معاكسة لما يؤمن به الإرهابيون، يؤيدون أن يعيش الناس سواسية وفي وئام وسلام، واحترام الآخر مهما اختلف معه فكرياً وعقائدياً، وكبار السن الذين لا طائل من استهدافهم، والنساء والفتيات المحصنات في بيوتهن، وليس من السهل على الإطلاق الوصول إليهن، والكثيرون من أبناء المجتمع المتنورين.
الخطر كل الخطر من الفكر الإرهابي أن يطال الأطفال والشباب اليافعين صغار السن، هؤلاء هم الهدف الحقيقي للتنظيمات الإرهابية المختلفة، باعتبارهم الأسهل في التأثير فيهم بالحيلة والإيحاء والكذب والتضليل، لإعادة تشكيل شخصياتهم، وتقوية ميولهم نحو العنف واستخدامه وسيلة لتحقيق رغباتهم ومطالبهم، وهنا يصبح الضحية لقمة سائغة للفكر المتعطش للدماء ولرقاب الأبرياء وحياتهم.
الأسرة يجب أن تكون شديدة الحرص والانتباه لسلوكيات أبنائها الصغار واليافعين منهم، وملاحظة أي تغيير يطرأ عليها، ومدى ميلها للعنف والتطرف في مواجهة متطلبات الحياة، وعليها أن تبادر على الفور بعلاج أي خلل يظهر، والتركيز على شحن الصغير بالأفكار الإيجابية المضادة للمتطرفة العنيفة، واستخدام كل وسائل التربية الحديثة معه، مع ضرورة تقديم القدوة التي يمكن أن تؤثر فيه وتمنعه من الانحراف.
ومسؤولية المدرسة أكبر، فإذا كانت الأسر خليطاً متفاوت المستوى العلمي والاقتصادي، فإن في المدرسة أساتذة ومربين مؤهلين، عليهم مهمة إفشال مخططات التنظيمات الإرهابية التي تستهدف صغارنا، خاصة مع توفر الوسيط المناسب لهم الذي يمارسون فيه عداءهم للخير وأهله، ألا وهو مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت خير مكان يتصيدون فيه الأطفال، ويمدونهم بجرعات فكرية متفاوتة ومتتالية إلى أن يقع الطفل فريسة، ويتحول إلى ممارسة العنف تدريجياً باعتباره بطولة يحقق ذاته عبرها، ومن السهل في مثل هذه الأجواء الموبوءة أن ينمو الفكر الظلامي في العقول الغضة، ويتحول تدريجياً إلى فكر ظلامي حاقد على الناس، ويراهم بعيون مختلفة لا صلة لها بالحقيقة.
التصدي للإرهاب وأفكاره الظلامية، وللتطرف الفكري، واجب مقدس على كل فرد قادر في المجتمع، فخطر التطرف لا يستثني أحداً، وعدم الاستقرار سيصبح سمة الحياة في المجتمعات المستسلمة والغافلة، ونحمد الله أن المجتمع الإماراتي ليس منها.

ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى