قضايا ودراسات

التطرف الديني

مثلما يمكن الحديث عن «الإسلام المتطرف» تمييزاً له عن الإسلام نفسه كديانة، يصح الحديث عن اليهودية المتطرفة، والمسيحية المتطرفة، بمعنى أن إنتاج نسخ متطرفة من الديانات، إذا ما وجد من يعمل على ذلك أمر ممكن، وتؤكده التجربة الملموسة للأمم المختلفة، وبالتالي فإن مسعى بعض المستشرقين ومريديهم عندنا للقول إن التطرف أمر خاص بالإسلام مردود عليه.

وتكفي قراءة جادة للتاريخ لترينا كيف كانت هناك مسيحية متطرفة شنت الحروب الصليبية، واضطهدت الفكر الحر والعقل النيّر في أوروبا نفسها على مدار قرون، ومثلها كانت هناك يهودية متطرفة عبر التاريخ؛ بل إن الصهيونية نفسها كحركة عنصرية، تقدم نفسها كحركة سياسية، هي في جانب جوهري منها على الأقل، يهودية متطرفة، بدليل أن الكثير من اليهود أنفسهم على تضاد معها.
لكن في اللحظة التاريخية الراهنة، ووسط بؤر التوتر الكثيرة في المنطقة العربية – الإسلامية يبرز «الإسلام المتطرف» كخطر جدي يهدد المسلمين في المقام الأول، قبل أن يهدد الدول والأمم الأخرى، وبالنظر إلى اتساع البقعة الجغرافية التي تتحرك فيها العناصر المحسوبة على هذا «الإسلام المتطرف»، بحيث تضرب بعنف حتى في قلب العواصم والمدن الغربية طغت فكرة غير صحيحة فحواها أن التطرف الديني هو سمة إسلامية بامتياز.
أحد أهم العوامل في ذلك أن الغرب، وربما غيره من المجتمعات المتقدمة أيضاً، أنجزت ما نحن عاجزين حتى اللحظة عن إنجازه، وضعيفة هي المؤشرات التي تدل على أننا سننجز ذلك في القريب، ألا وهي مهمة فصل الدين عن السياسة، وقبل كل شيء فصله عن الدولة.
الدين عندما يُسيس، خاصة في عالم اليوم، يصبح مهيأ لإنتاج نسخ متطرفة منه؛ لأنه يخرج عن مهامه الوعظية – الأخلاقية ليتحول إلى أداة من أدوات الصراع السياسي الدنيوي؛ لا بل أهمها وأخطرها على الإطلاق أيضاً، وهذا ما فعلته الكنيسة المسيحية في أوروبا قبل أن تنجح مهمة تجريدها من السلطة السياسية التي كانت لها، وتعود إلى مهمتها الأساسية التي من أجلها نشأت الأديان، أي التأسيس الأخلاقي القويم للبشر، لا تحويلهم إلى وقود في الحروب وفي المعارك السياسية.
في عالمنا العربي – الإسلامي اليوم يضطلع الإسلام السياسي بدور مشابه، من مظاهره هذه النسخ المتعددة من التطرف الديني على شكل دول أو تنظيمات أو جماعات أو مؤسسات دينية، وستظل قائمة إمكانية إعادة إنتاج هذا الدور ما لم يصر إلى بناء الدولة المدنية – العلمانية التوجه، أي تلك التي تضمن وبقوة القانون احترام المعتقدات الدينية وصونها من أي مس بها أو تطاول على حرية أصحابها في ممارسة شعائرهم؛ لكن على قاعدة فصل الديني عن السياسي.
د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى